أُمّيين ولا يحترمونهم، ويقولون عنهم (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).
ومعنى النص الكريم: قل لأهل الكتاب والمشركين: إذا كنت قد أخلصت في طلب الحق فهل أخلصتم؟
والاستفهام في قوله تعالى:(ءَأَسْلَمْتُمْ) للحضِّ على أن يسلموا وجوههم لله ويخلصوا في طلب الحقيقة كما أخلص الرسول وأصحابه، وكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجههم إلى أن يطلبوا الحقيقة مجردين أنفسهم من كل هوى وغرض وتعصب، بدل أن يحاولوا الإلحان بالحجة والمغالبة بالقول، وأن يستمروا على اللجاجة في الجدل. وبهذا يتضمن الاستفهام معنى جليلا وهو أن يبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العبرة في طلب الحقائق ليس بالأدلة تصطنع، والحجج تزوَّر، إنما العبرة بإسلام الوجه والإخلاص في طلب الحقيقة، وقد قال في ذلك الزمخشري:" وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة، ولم تبق من طرق الاستدلال طريقا إلا سلكته: هل فهمتها؛ لا أُمَّ لك! " ويكون الاستفهام حينئذ عند الزمخشري من قبيل التوبيخ على عدم الإخلاص.
وعندي أن الاستفهام بمعنى الحض، والمعاني على أي حال متقاربة. ولقد بين سبحانه نتيجة الإخلاص إن أخلصوا فقال:
(فَإِنْ أَسْلَمُوأ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ) والمعنى: إن أسلموا وجوههم لله، وأخلصوا دينهم لله، ولم يلاحظوا في طلب الحقيقة عصبية مذهبية أو جنسية، فقد اهتدوا أي سلكوا طريق الحق، ومن سار على الدرب وصل. وقد فسرها بعض العلماء بمعنى يهتدون، وعبر بالماضي لتحقق الهداية تحققا كاملا. وعندي أن نفس ذلك الإخلاص، وهو إسلام الوجه لله تعالى هو الهداية الحق، فمن أسلم وجهه لله تعالى مخلصا في طلب الحق، فقد اهتدى حقا وصدقا؛ إذ إن ذلك الإخلاص هو روح الدين وغايته، فمن وصل إليه فإنه لَا محالة سيتبع الدين الذي يوصل إليه وهو الإسلام.