للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا إن أخلصوا، وإن تولَّوْا أي أعرضوا عن هذا الإخلاص، وانصرفوا إلى المثارات البيانية يثيرونها ليطفئوا نور الحق، فما من حجة تهديهم، وما من آية ترشدهم، وقد أديت ما وجب عليك وهو التبليغ؛ ولذا قال سبحانه: (وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ) وقد بلغتهم فالمحاجة معهم لَا تجدي؛ لأنهم مكابرون، والمكابر لا تزيده قوة الحجة إلا إصرارًا وعنادا ولجاجة؛ فإن أعرضوا فأعرض عنهم، واتجه إلى المخلصين طلاب الحقيقة تهديهم وترشدهم، وتأخذ بيدهم إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا وثوابهم في الآخرة. ثم ذيل سبحانه الآية بقوله تعالى: (وَاللَّهُ بَصِير بِالْعِبَادِ).

والمعنى أنه سبحانه وتعالى عليم علم من يبصر بالعباد، يعلم نفوسهم ما يهديها وما يرديها، وما يصلحها وما يُجدبها، وعليم بنفوس هؤلاء المتمردة التي لا تبغي سدادا، ولا تريد رشادا، وعليم بمسالكهم في الدنيا، وأعمالهم التي أركستهم في ذلك الضلال المتكاثف، والذي يزيده إمعانهم في الإنكار والجحود ظلاما، وعليم بما يصيبهم في الآخرة. فهذا التذييل لتلك الآية الكريمة فيه عزاء للنبي عن كفرهم وإشارة إلى أحوالهم، وإنذار بسوء مصيرهم.

وقبل أن نختم الكلام في هذه الآية الكريمة نقرر أن جمع أهل الكتاب والأميين في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى عموم رسالته، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا. . .)، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " بعثت إلى الأحمر والأسود " (١) وقال - صلى الله عليه وسلم -: " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة " (٢) ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لَا يسمع بي أحد من هذه


(١) رواه الدارمي: السير - الغنيمة لَا تحل لأحد قبلنا (٢٣٥٨)، وأحمد: مسند الأنصار (٢٠٣٥٢). .
(٢) هذه الرواية تفسر قوله عليه الصلاة والسلام: " بعثت إلى الأحمر والأسود " يعني: " إلى الناس كافة "، وبالأول رواها مسلم في صحيحه باللفظ المشار إليه في التخريج السابق. مسلم: المساجد ومواضع الصلاة فيها (٨١٠)، النسائي: الغسل والتيمم (٤٢٩)، أحمد: باقي المكثرين: (١٣٧٤٥)، الدارمي: الصلاة (١٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>