للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولماذا ذكر سبحانه وتعالى كلمة (بِغَيْرِ حَقٍّ) مع أن قتل الأنبياء لَا يمكن أن يكون بحق أبدا؟ والجواب عن ذلك أن هذا تصريح بموضع الاستنكار، فموضع الاستنكار اعتداؤهم على الحق بالاعتداء على النبيين، وللإشارة إلى أنهم بما طمس الله على بصائرهم صاروا أعداء للحق لَا يألفونه، ولا يريدونه ولا يخلصون في طلبه. وذكر سبحانه كلمة الحق بصيغة التنكير فقال (بِغَيْرِ حَقٍّ) لعموم النفي، بحيث يشمل الحق الثابت، والحق المزعوم، والحق الموهوم، أي لم يكونوا معذورين بأي نوع من أنواع العذر في هذا الاعتداء، فلم يعتقدوا أنه الحق، ولم يزعموه، ولم يتوهموه، بل فعلوا ما فعلوا وهم يعلمون أنهم على الباطل، فكان فعلهم إجراما في باعثه، وإجراما في حقيقته، وأبلغ الإجرام في موضوعه.

هذا قتل الأنبياء، وهو أفظع جرم في هذا الوجود، ويليه ومن جنسه قتل الدعاة إلى الحق، والقسط الذي هو الميزان في كل شيء، فإن قتل هؤلاء كقتل النبيين منشؤه صمم الآذان عن سماع الحق، وإعراض القلوب، والتململ من أهل الحق والتبرم بهم. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، بئس القوم قوم لَا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، بئس القوم قوم يمشي المؤمن بينهم بالتقية " (١)! وروى أن أبا عبيدة عامر بن الجراح سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " رجل قتل نبيا، أو من أمر بمعروف ونهي عن المنكر " (٢).


(١) ذكره القرطبي في تفسيره وقال روي عن ابن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقِسط من الناس " وذكره بتمامه. [تفسير القرطبي: سورة آل عمران (٢١)]. وفي كنز العمال (٥٥٨٣).
(٢) رواه الإمام أحمد (٣٦٧٤) في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه. وراجع الدر المنثور - ج ٢ ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>