للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولماذا قال سبحانه (مِنَ النَّاسِ) في قوله (الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) مع أنهم حتما من الناس؟ والجواب عن ذلك أن هذا للإشارة إلى أنهم ليسوا بأنبياء بل من الناس غير المبعوثين، وفي قرنهم بالأنبياء، وإثبات أن الاعتداء عليهم قرين الاعتداء على الأنبياء إشارة إلى بيان منزلتهم، وأنهم يعملون عمل النبيين وأنهم حقيقة ورثة الأنبياء، بالقيام بحق هذا الواجب المقدس، فإن لم يقوموا بهذا الواجب فليس لهم من وراثة الأنبياء شيء.

وقد ذكر سبحانه عقاب هؤلاء وهو العذاب الأليم، فقال تعالى: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) أي أن جزاءهم في الآخرة عذاب مؤلم ينزل بهم.

وفى هذا الجزء من الآية بحثان لفظيان:

أحدهما: دخول الفاء في خبر الذين وهو: (فَبَشِّرْهُم) وقد دخلت الفاء لأن الجملة طلبية، والجملة الطلبية تحتاج إلى الفاء لتصلح خبرا في كثير من الأحيان، ولأن الاسم الموصول في معنى الشرط، وخبره في معنى الجواب، وإذا كان الجواب جملة طلبية فإن الفاء تدخله.

والثاني: هو في التعبير بقوله تعالى عن العذاب: (فَبَشِّرْهُم) مع أن البشارة لَا تكون إلا في الأخبار السارة، لأن البشارة والبشرى الخبر السارّ الذي تنبسط له بشرة الوجه، والجواب عن ذلك أن هذا التعبير من قبيل التهكم؛ وذلك لأن هؤلاء الضالين من بني إسرائيل وغيرهم مع أنهم جحدوا، وفعلوا بالأنبياء ودعاة الحق ما فعلوا، وكانوا يقولون: نحنُ أبناءُ اللهِ وأحباؤه، وأن لهم البشرى بجنسهم لَا بعملهم، فالله يقول له: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) أي أن البشرى التي يرتقبونها بسبب المحبة التي يدعونها هي عذاب أليم وليست بنعيم مقيم، وليس هذا العذاب في الآخرِة فقط، بل إنه في الدنيا بفساد جماعتهم، ولذا قال سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>