للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأيامّا كان الكتاب المشار إليه في الآية فالأمر دليل على أنهم لَا يذعنون لحق ولا يهتدون بهدي، بل هم قوم غلبت شقوتهم، وغلب هواهم على تفكيرهم وطمس الله على أبصارهم وبصائرهم، فهم لَا يهتدون، ولا ترجى منهم هداية، فلا تعجب إذا لم يؤمنوا.

وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ) هذا تعبير قرآني معناه لقد رأيت وتحققت وعجبت من أمر أولئك الذين أُوتُوا نصيبا من الكتاب كيف يدعون إلى حكم الحق فيتولون ويعرضون. والاستفهام داخل على الفعل المنفي، وهو استفهام إنكاري تعجبي، فهو نفي دخل على فعل منفي، ونفي النفي إثبات، إذ إن نفي عدم الرأي معناه ثبوت الرؤية، وسيق الكلام على ذلك النحو لتأكيد الأمر، وللتعجب، ولبيان أنه ما كان يصح أن يقع، ولكنه وقع.

وقوله تعالى: (أُوتُوا نَصيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) يشير إلى أمرين:

أولهما: أنهم يتعلقون باسم الكتاب ولكن لَا يأخذون به؛ فالنصيب المراد به الجزء المعنوي من الكتاب، وهو أنهم تلقوا كتاب التوراة وأخذوا منه ترديده وذكره، ولم يأخذوا منه الهداية والإيمان.

وثانيهما: أنهم حرفوا هذا الكتاب وغيروه، فما عندهم هو نصيب من الكتاب أي جزء منه، وليس كل الكتاب.

وعبر هنا بقوله تعالى: (أُوتُوا نَصيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) وفي الآيات السابقة قال سبحانه: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُم الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهمْ. . .)، وذلك لأن الكلام هنا في الذين كانوا يعاصرون النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذين كانوا يعاصرون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عندهم قطعا إلا حظ من الكتاب، ولم يكن عندهم كل الكتاب؛ أما في الآيات السابقة فقد كان الكلام في الذين عاصروا النبيين السابقين من بني إسرائيل، وقد كان عندهم الكتاب كله، ومع

<<  <  ج: ص:  >  >>