للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك ضلوا على علم، وذلك لسيطرة الهوى على قلوبهم، وغلبته على نفوسهم، فبغوا وطغوا، وقتلوا النبيين والذين يأمرون بالقسط من الناس.

دُعِي أولئك اليهود إلى كتاب الله تعالى ليحكم بينهم، وقد كانت النتيجة أنهم لم يذعنوا للحق كما قررنا، بل تولوا عنه، أو تولى فريق منهم عن الحق؛ ولذا قال تعالى:

(ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ منْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ) أصل تولي الأمر أو الشخص الإقبال عليه، والانصراف إليه؛ ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. . .)، أي من يتخذ منهم ولاية ونصرة، ويقبل عليهم فهو منهم. وإذا عُدِّي هذا الفعل بـ " عن " أو قُدرت في القول كانت بمعنى الانصراف عن الأمر وعدم الإقبال عليه؛ ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمًفْسِدِينَ)، وقوله تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ). والمعنى في هذه الآية هو من هذا القبيل، أي أنه بعد الدعوة إلى تحكيم كتاب الله تعالى ينصرفون عن الحق، ويولونه أدبارهم، بدل أن يولوه قلوبهم.

وعبر هنا بِثُمَّ التي تفيد التراخي للإشارة إلى تباين حالهم مع ما كان ينبغي منهم؛ وذلك لأنهم ليسوا أمّيين أو جاهلين فيعذروا، بل هم قوم أهل علم ودين، ونزلت بين أيديهم كتب السماء، فهم كانوا جديرين بأن يرضوا بحكم الكتب المقدسة، ولكنهم بدل أن يخضعوا ويذعنوا أعرضوا، واستمروا في غيهم يعمهون، فكان هذا التفاوت بين ما كان ينبغي، وما هو كائن، سببا في التعبير بثم المفيدة للتراخي بين المعطوف والمعطوف عليه، والتباعد بينهما زمانا أو معنى.

وقوله تعالى: (وَهُم مُّعْرِضُونَ) قال بعض المفسرين: إنه تأكيد لمعنى التولي، والحق أنها أفادت معنى جديدا، إذ أفادت أمرين:

<<  <  ج: ص:  >  >>