للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما محبة العبد لربه، فقد قال الحارث المحاسبي في تعريفها بأنها الميل بكُلِّيته لربه، وإيثاره على نفسه وماله، ثم مرافقته له سرا وجهرا، ثم اعتقاده تقصيره في حقه مهما يؤدِّ من واجبات وطاعات.

ومحبة العبد لربه غير طاعته المجردة لأوامره ونواهيه، وإن كانت ملازمة للاتباع المطلق للأوامر والنواهي، وفي الحقيقة إن طاعة العبد لربه لها مرتبتان: أولاهما: الطاعة رجاء الثواب وخوف العقاب، والثانية: الطاعة محبة لله تعالى ولقد قال في هذا المعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصف بعض أصحابه " نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه ". ولقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين المتقين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)، فإن هذا النص الكريم دل على أن ثمة مقامين جليلين: مقام الطاعة رجاء الثواب وخوف العقاب، والطاعة بالتوسل إلى الله والتقرب منه، كما قال تعالى: (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) وهذا مقام الطاعة محبة وازدلافا إليه سبحانه، وهذه هي الوسيلة المبتغاة، والمحبة المرتجاة، وإن المحبة تقتضي الأنس بذكر الله تعالى، فتكون النفس ممتلئة بالسرور لقرب الله، ومعرفة الله، وكمال العبودية له، والشعور بكمال ألوهيته، حتى يستغرق ذلك كل حسه، وكل نفسه وقلبه، ولا يكون موضع لتذكر سواه.

والمحبة هي غاية التصوف العالي وسمته وعنوانه؛ ولذا يقول ابن القيم في مدارج السالكين: " المحبة سمة هذه الطائفة المسافرين إلى ربهم، الذين ركبوا جناح السفر إليه، ثم لم يفارقوه إلى حين اللقاء، وهم الذين قعدوا على الحقائق، وقعد من سواهم على الرسوم ".

والمحبة ثلاث درجات:

أولاها: استغراق النفس بذكر الله، فلا يرتفع إلى مقامه في القلب ذكر شيء سواه، ويصف الهروي في " منازل السائرين " تلك المحبة بأنها: تقطع الوساوس، وتسلي عن الصائب، وتثبت ئلك الدرجة من الشعور بقوة الله، ومن اتباع السنة المحمدية، والشعور بالحاجة والفاقة إليه تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>