والدرجة الثانية: وهي أعلى من هذه في درجات المحبة - هي التي يلهم فيها اللسان بذكر الله بعد امتلاء القلب، والجوارح بإيثار الحق، ويقول فيها ابن القيم:" فيها مطالعة الصفات، وشهود معاني آياته المسموعة، والنظر إلى آياته المشهودة. وكل منها داع قوى إلى محبته سبحانه؛ لأنها أدلة على صفات كماله، ونعوت جلاله، وتوحيد ربوبيته وألوهيته، وعلى حكمته وبره وإحسانه، ولطفه وجوده، وكرمه وسعة رحمته، وسبوغ نعمه، فإدامة النظر فيها داع لَا محالة إلى محبته "(١).
والدرجة الثالثة: المحبة التي يكون فيها الشهود بنور القلب. وجاء في " منازل السائرين " في هذه المحبة (هذه المحبة هي قطب هذا الشأن، وما دونها محاب نادت عليها الألسن، وادعتها الخليقة وأوجبتها العقول).
هذه إشارات موجزة إلى ما يقوله أهل التصوف في المحبة بين العبد وربه، وقد قبسنا منها قبسة نرجو أن تضيء في هذا الموضوع، وإن كانت لَا تدفئ.
وإن العبرة في هذا الموضوع هي أن الشريعة لَا يصح أن تنسى حتى في أعلى مقام للمحبة، فإنها هي الدليل المرشد، والمصباح المنير لمن يريد أن يصل إلى درجة المحبة الحقيقية، وهي أعلى درجات الإيمان، وأقوى درجات الاتباع. فاتباع أحكام الشرع هو طريق المحبة عند أهل السنة الراشدين، وتنكب طريق الاتباع وادعاء الارتفاع عن التكليف هو مَخْرَف أهل الابتداع الضالين.
وإذا كان ذلك هو الحق، فإطاعة الله ورسوله هي فيصل التفرقة بين الحق والباطل وبين محبة الله ومحبة الضلال، وبين الإيمان والكفر، ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذلك: