للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثانية: كلمتا (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)؛ فالعشي من حين تزول الشمس إلى أن تغيب، والإبكار من طلوع الشمس إلى وقت الضحى.

والثالثة: كلمتا ذكر وتسبيح؛ فإن الذكر معناه أن يستحضر الإنسان عظمة ربه، وينطق بها لسانه، والتسبيح معناه التنزيه المطلق لله سبحانه وتعالى، وقد كان طلب الذكر والتسبيح في هذا المقام مناسبا لتلك النعمة التي أسداها لعبده ونبيه زكريا عليه السلام؛ فإن سيادة المادية في بني إسرائيل وطغيانها على الروح أنستهم ذكر الله، وسيادة الفلسفة المنكرة للإرادة جعلتهم لَا ينزهون الله تعالى، فدعا ربه لأن يقوم بهذا الأمر الذي فيه استذكار كل معاني الألوهية وانصراف بالكلية للنواحي الروحية. وفي التسبيح إدراك لله وتنزيه له عن العلية؛ ولذا اتخذ زكريا من هذا الخارق للعادة بإنجابه ولدا سبيلا؛ لأن يدعوهم إلى التسبيح وهو التنزيه عن العلية والسببية وكل ما لَا يليق بذات الله تعالى، وأن يتركوا ما هم عليه من ماديات وفلسفة تنكر الإرادة لرب العالمين، فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا.

* * *

(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)

* * *

بين الله سبحانه الأمر الخارق للسنن التي سنها في خروج الحيّ من الحي، بالنسبة لولادة يحيى من عجوز عاقر، وإن الذي خرق هذه السن هو خالق السنن، وإنما خرقها الذي خلقها ليعلم الناس أنه سبحانه خلقها بإرادته وحكمتة؛

<<  <  ج: ص:  >  >>