للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذ في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، فإذ هنا في مقام البدل أو البيان من الأولى؛ لأن هذا فيه تفصيل لمعنى الاصطفاء الذي اختصت به على نساء العالمين؛ والمعنى: اذكر إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك. . إذ كان ذلك الاصطفاء على نساء العالمين؛ بأن كانت هي التي تلقت البشارة الكبرى بأن تلد مولودا من غير أب قد أنجبه. والملائكة الذين خاطبوا مريم بذلك الخطاب يتضح من السياق أنهم الذين خاطبوها بالاصطفاء؛ فكأنهم قد بشروها بالاصطفاء على نساء العالمين، وبشروها مع ذلك بنوع الاصطفاء. وقد استظهرنا كما استظهر ابن جرير الطبري أن الملائكة الذين بشروا بالاصطفاء كانوا عددا ولم يكونوا واحدا، فلابد إذا أن الذين بشروا بحقيقته كانوا عددا أيضا، ولكن سورة مريم فيها بيان أن الذي أنبأها نهائيا بهبة الله تعالى لها كان ملكا تمثل في صورة بشر قد أودعها ما يكون منه الولد من غير تلقيح جنسي؛ لأن الملك ليس له تلك الشهوة الإنسانية؛ ولذا قال سبحانه:

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١).

وإن التوفيق بين هذا النص الكريم، والنص الذي نتكلم في معناه سهل لا يحتاج إلى إعمال فكر؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل ملائكته إليها يبشرونها بالاصطفاء ويبشرونها بنوع الاصطفاء، ثم أرسل إليها بعد هذه البشارات المتكررة ملكا تمثل لها بشرا سويا. ليودع رحمها نهائيا تلك الهبة التي أهداها رب العالمين إليها.

ذكر سبحانه البشارة بأنها كلمة منه، وأن معنى هذه الكلمة شخص حي يسري عليه حكم الأحياء اسمه المسيح عيسى ابن مريم، فلماذا اعتبره الكريم كلمة

<<  <  ج: ص:  >  >>