للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه؛ لأنه سبحانه خلقه وأبدعه بكلمة منه؛ فإذا كان سبحانه قد خلق الأحياء بطريق التناسل: الرجل يلاقح الأنثى، ويخرج الأولاد من أصلاب الآباء، فإن عيسى عليه السلام لم يخلق ذلك الخلق، بل خلقه الله تعالى خلقا آخر؛ خلقه بكلمة منه وهي " كن " فكان، فكان جديرا بأن يعتبر كلمة، وأن تكون هذه الكلمة منسوبة إلى الله تعالى.

ويقول ابن جرير: إن الكلمة هي كلمة البشرى، تشريفا لمريم البتول، وتكريما لها بأن تكون البشرى بكلمة من الله، أي بخطاب منِ الله تعالى مرسل منه إليها. ويزكي هذا قوله تعالى: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ منهُ. . .). وقوله تعالى: (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) هو ما تضمنته البشارة، ويكون التأويل: يبشرك ببشارة جازمة قاطعة لَا احتمال لتخلفها، هذه البشارة هي ولد اسمه المسيح عيسى ابن مريم. وكأن " اسمه المسيح " تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: البشارة ولد اسمه المسيح عيسى ابن مريم.

وقد عرَّف سبحانه وتعالى ذلك المولود بثلاثة تعريفات: لقب، واسم وكنية؛ أما اللقب فهو المسيح، وأما الاسم فعيسى، وأما الكنية فهو ابن مريم، وهذه التعريفات الثلاثة، كل واحد منها يومئ إلى معنى قد تحقق في السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ فأما الكنية فللإشارة إلى أن نسبه ثابت لأمه لَا لأحد سواها، فليس ابنا لأي حيّ من الأحياء، وليس ابنا لله تعالى كما توهم أو كما لبَّس على نفسه كل من لَا يريد أن يحكِّم عقله فيما لُقِّن من عقائد باطلة، ولا تعلق لهم في أن عيسى قيل عنه كلمة الله، فالكلمة هي البشارة، وهي مخلوقة، أو لأنه خلق بكلمة الله وهي " كن " وكلتاهما لَا يمكن أن تكون ابنا لله تعالى. وأما الاسم فينبئ عن البياض والصفاء المعلم الواضح؛ ولذلك يقول الأصفهاني: " عيسى اسم علم وإذا جعل عربيا أمكن أن يكون من قولهم: بعير أعيس وناقة عيساء، وهي إبل بيضاء يعتري بياضها بعض الظلمة، أي فيها اغبرار يعطي بياضها صفاء وجمالاً، فهو ينبئ عن جمال تكوينه، وجمال دعوته وصفاء رسالته.

<<  <  ج: ص:  >  >>