وأما اللقب فهوا ينبئ عن البركة والفضل، وهو أحسن ما قيل في ذلك، فقد ذكر الزمخشري أن كلمة مسيح في أصلها العبري، وهو مشيح، معناه مبارك، وهذا قد جاء في شكره لربه إذ قال:(وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ. . .).
وقد وصفه الله سبحانه وتعالى بأربعة أوصاف وأحوال؛ أولها: أنه وجيه في الدنيا والآخرة، والثاني: أنه من المقربين، والثالث: أنه يكلم الناس في المهد وكهلا، والرابع: أنه من الصالحين. وقد ذكرت هذه الأوصاف كلها لأمه وقت البشارة به، فكانت أجل تبشير لأم رءوم في مثل تقوى مريم البتول.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الوصفين الأولين بقوله تعالى:
(وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) هذان وصفان تمَّا لعيسى الرسول بعد كمال رجولته، وظهرا أتم ظهور في أداء رسالته، وأحدهما وصف ذاتي أضفاه الله تعالى على ذاته النبوية الطاهرة ليكون صاحب رسالته، وداعي هدايته، وناشر رحمته، وذلك الوصف هو الوجاهة في الدنيا، والوصف الثاني وصف إضافي، وهو أنه في موضع المقربين من الله تعالى، وهذا وصف يضفي شرفا إضافيا، فوق شرف النبوة، وشرف الرسالة الإلهية.
وكلمة " وجيه " مشتقة من الوجه؛ لأنه هو الذي يلقى به الناس، وهو مظهر كل ما فى النفس مما يوجب الاحترام، ومنه اشتقت كلمة جاه، أي أن من له جاه يكون ذا وجه دال على الاحترام والشرف، فمعنى " وجيها " أي أنه ذو شرف ومكانة؛ أما مكانته يوم القيامة، فأمر مقرر ثابت، وإذا لم يكن لمثل عيسى هو وأمثاله من النبيين عليهم السلام وجاهة فوق تقديرنا، فلمن تكون وجاهة الآخرة؛ وأما وجاهة الدنيا فأمر ثابت مقرر، وأي وجاهة وشرف وأثر في النفوس أكبر من وجاهة رجل روحاني يبرى الأكمه والأبرص ويحيى الموتى، ويؤثر في القلوب فتنجذب له، ولم يستطع أن ينال خصومه منه شيئا، وإذا قيل إن اليهود آذوه وطردوه فليس ذلك بمانع من وجاهته، بل إنه دليل وجاهته وأثره في