للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تومئ إلى معانٍ من رسالته؛ ذلك بأن عصره كان عصرا ماديا، لَا يؤمن بالإرادة المختارة لله تعالى، ويؤمنون بالأسباب التي تجري في الحياة على أنها المؤثرات في إيجاد الأشياء، فإنت معجزاته عليه السلام إعلانا لبطلان تأثير الأسباب، بدليل خرق هذه الأسباب، بإحياء الموتى؛ وقد جرت الأسباب المادية التي ترى على أن من مات لَا يحيا في هذه الدنيا، وأن الأكمه الذي ولد أعمى لَا يرتد بصيرا، وأن إخراج الحيّ من الطين مباشرة لَا يكون، فجاء عيسى بكل هذا، فكان إعلانا قويا بأن الله فاعل مختار، وذلك جزء من رسالته.

والآية هنا هي المعجزة، وهي في أصلها العلامة، والمراد بها هنا العلامة الدالة على الرسالة، وأطلق على الجزء من القرآن آية؛ لأن كل آية في كتاب الله تعالى معجزة في ذاتها، دالة بوحدتها على رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولقد ذكر بعد ذلك سبحانه آيات، وكانت الآيات المذكورة في هذا المقام أربعا؛ وعبر عنها بآية؛ لأن مجموعها دال على رسالته، وإن كانت كل واحدة منها تصلح حجة قائمة بذاتها؛ فذكرها بلفظ المفرد للإشارة إلى أنها جميعا كانت آيته.

والآيات الأربع: هي أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وأنه يبرئ الأكمه والأبرص، وأنه يحي الموتي؛ وأنه ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؛ فهذه آيات أربع.

والآيات الأربع ذكرت مضافة إلى السيد المسيح عليه السلام؛ لأنها كانت تجري على يديه، ولأنها هي التي كان يقيم بها الدليل على رسالته، وقد خاطب بها بني إسرائيل، ومن استمع إليه من الرومان وغيرهم.

وأول هذه الآيات تصوير الطين ثم النفخ فيه فيكون طيرا، وقد ذكرها سبحانه وتعالى بقوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ):

<<  <  ج: ص:  >  >>