للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخلق المراد به هنا التصوير، أي أنه صور من الطين كهيئة الطير، أي بشكله، فينفخ فيه، فكان طيرا بإذن الله تعالى، فهنا أعمال ثلاثة؛ اثنان منها لعيسى عليه السلام، والثالث لله تعالى جل جلاله وعظمت قدرته، أما اللذان لعيسى فهما: تصوير الطين كهيئة الطير، والنفخ فيه، وأما الثالث الذي هو من عمل الله تعالى وحده، فهو خلق الحياة في هذه الصورة التي صورها عيسى عليه السلام؛ ولذلك قال: (بِإذنِ اللَّهِ) أي بأمره وإعلامه، والكون كله بأمره سبحانه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وهذا يدل على أنه لم يكن في عيسى ألوهية، ولا أي معنى من معانيها.

ولقد قال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده: إن الصيغة التي ذكرت بها هذه الآية وهو قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفخ فِيهِ فَيَكون طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) تدل على استطاعته ذلك ولكنها لَا تدل على الوقوع، وعندي أنها تومئ إلى الوقوع لأن ذكر الكيفية وهو أنه يتخذ من الطين صورة الطير، ثم النفخ ثم الكون طيرا يدل على الوقوع لَا على مجرد الاستطاعة وفوق هذا فإن آية المائدة تدل على الوقوع بشكل أوضح من هذا؛ فإنه سبحانه وتعالى يقول: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّن الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفخُ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) فهذا النص الكريم دليل على الوقوع، لَا على إمكان الوقوع؛ لأن الله تعالى لَا يمن عليه إلا بالذي وقع فعلا.

والآية الثانية والثالثة بينهما سبحانه وتعالى بقوله:

(وَأُبْرِئُ الأَكْمَة وَالأبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) الأكمه هو الأعمى الذي يولد أعمى، أي الذي لم يُؤت حاسة الإبصار؛ أجرى الله تعالى على يد عيسى عليه السلام إبراءه. والأبرص هو الذي يكون في جلده بياض مشوب بحمرة، وهو مرض لَا يبرأ منه من يصاب به؛ فهذان مرضان لَا يتصور بمقتضى العادة، والأسباب الجارية بين الناس أنه يمكن أن يكون منهما شفاء؛ لأنَّ الأول يولد به الشخص ناقصا حاسة الإبصار، والثاني لم يصل الطب إلى الآن إلى طريق للشفاء منه، فإذا كان الله قد أجرى على يدي عيسى عليه السلام الشفاء بهما فإن هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>