للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يؤمنون برسالته حق الإيمان من غير إفراط ولا تفريط، ومن غير أن يتجاوزوا به قدره الذي قدره الله تعالى له وسواه عليه.

والفوقية ليست هي القوة؛ فإن الأسد أقوى من الإنسان، ولكنه ليس فوقه ولا أعلى منه، بل الفوقية هي فوقية الإدراك والإيمان والإخلاص؛ وذلك لأن سبب الفوقية هو الاتباع، والمسبب من جنس السبب، فالسبب معنوي روحي، فالفوقية روحية معنوية، فليست الفوقية إذن فوقية سيف وسنان، بل فوقية حجة وبرهان،. ولقد قال الزمخشري في ذلك: " يعلونهم بالحجة، وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف، ومتبعوه هم المسلمون؛ لأنهم متبعوه في أصل الإسلام، وإن اختلفت الشرائع، دون الذين كذبوه، والذين كذبوا عليه من اليهود والنصارى " (١).

(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا بهُتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) إن الفوقية التي أشرنا إليها هي فوقية الحجة القوية الثابتة عن النظر بعين الحق السائغ، والقسطاس المستقيم، وإن هذه الحجة قائمة في الدنيا إلى يوم القيامة، حتى إذا انتهوا إلى ذلك اليوم المعلوم المقطوع بأنه لي يقع لَا محالة، يكون الاحتكام بها إلى الحكم العَدْل العليم، ولذا قال سبحانه: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي إليَّ رجوعكم ومآبكم، وإذا كان المرجع إلى الله والمصير إليه سبحانه وهو العليم بكل شيء، فهو الذي يحكم بينهم فيما كانوا يختلفون فيه، وحجة بعضهم فوق حجة الآخرين، فالفاء في قوله تعالى: (فَأَحْكمُ بَيْنَكمْ فِيمَا كنتمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) هي التي تسمى فاء الإفصاح، لأنها تُفْصِح عن شرط مقدر، وقد ذكرناه في مطوي كلامنا. ولقد بين سبحانه وتعالى بعض الحُكم مفصلا في قوله تعالى:

* * *


(١) الكشاف: جـ ١ ص: ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>