للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك معنى آخر للربوبية يدخل في مضمونها، وهو أن يكون الشرع كله لله تعالى، فلا يتكلم عن الله أحد إلا نبي يوحى إليه، والجميع بعد ذلك أمام الشرع سواء، إلا أن يكون فهم متميز متفهم متعرف، ومن ادعى أنه يتكلم عن الله باسم الله من غير وحي يعتمد عليه، فقد زعمه ربا يؤخذ عنه؛ ولذلك عبر القرآن عن علماء النصارى واليهود الذين ادعوا أن قولهم دين يتبع، وتقاليد تؤثر، بأنهم قد اتخذوهم أربابا من دون الله، فقال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ. . .)، ذلك بأنهم جعلوا لهم الحق في أن يشرعوا باسم الله ما لم يشرعه الله، وأن يخالفوا ما أمر الله سبحانه وتعالى، فهم جعلوهم في مقام الرب جِل جلاله، ولقد روي عندما نزل قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قال عدي بن حازم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله! فقال الرسول عليه السلام: " أليسوا كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذوا بقولهم؟ " قال: بلى.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هو ذاك " (١).

وعن بعض التابعين أنه قال؛ لَا أبالي أطعتُ مخلوقا في معصية الخالق أو صليتُ لغير القبلة!! فكانت التسوية كاملة بين الأخذ في دين الله بغير ما أنزل الله، والخروج عن الإسلام الذي رمز إليه ذلك التابعي الجليل، وهو ألا يكون من أهل القبلة.

عرض النبي بأمر الله تعالى ذلك الأمر الذي يكون فيه نصَفة له (٢) ولهم، وكانت الدعوة إلى أخذ دين الله من ينبوعه الصافي فيهما فائدتان: إحداهما: ألا يتزيدوا على ما أمر الله تعالى وما نهى عنه؛ والثانية: أن أولئك المجادلين هم الذين يبثون في نفوس أتباعهم التعصب الأعمى، محافظة على سلطانهم أن يزول؛ فكانوا في زعامتهم بمنزلة زعماء قريش وأشباههم من أنهم خشوا على سلطانهم من اتباع النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.


(١) رواه الترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة التوبة (٣٠٢٠).
(٢) النصفة: الإنصاف، وهي المعاملة بالعدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>