للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي حملها الله للإنسان بمقتضى الفطرة هي إدراكها المعنى التكليفات الإنسانية والإلهية وقيامه بحقها، وقد قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢).

هذا هو القسم الأول، وقد قال العلماء إنهم أهل الكتاب الذين آمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، كعبد الله بن سلام، وغيره من اليهود الذين سارعوا إلى الإسلام، وكذلك الشأن في كل كتابي علم الحق في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأذعن له؛ لأنه يكون ممن يؤدي الأمانة.

والقسم الثاني هو الذي لَا يؤدي الأمانة، وهو في مقابل الأول؛ لأن الأول في السماك الأعزل، وهذا في الحضيض الأوهد. وصور الله سبحانه الفرق بينهما ذلك التصوير الحكيم البين الواضح بأن الأول لو ائتمن على قنطار من ذهب لأداه، والثاني إن ائتمن على دينار لَا يؤده إلا بالملازمة الدائمة، والتتبع والإلحاف الشديد، وعبر الله سبحانه وتعالى عن هذه الملازمة بقوله تعالى: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) أي إلا إذا استمررت مطالبا له مصمما على أن يؤدى مشرفا عليه في غدوه ورواحه. ودام معناها استمر، وقائما معناها ملازما متتبعا؛ ذلك لأن قام في استعمال القرآن الكريم لها تكون كما قال الراغب في مفرداته: " على أضرُب، قيام بالشخص إما بتسخير أو اختيار، وقيام للشيء وهو المراعاة للشيء، والحفظ له، وقيام هو بمعنى العزم على الشيء. . ومن المراعاة للشيء قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامينَ للَّه شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ. . .)، وقوله تعالى: (قَائِمًا بِالْقِسْطِ. . .)، وقوله تعالى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِم عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ. . .)، وقوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ. . .)، وقوله تعالى: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) أي ثابتا على طلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>