للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن هؤلاء الذين لَا يؤدون الأمانة المادية إلا بهذه المطالبة الدائمة، والملازمة المستمرة - هم الذين لَا يتركون التضليل كما أشرنا، فلا يأمن أهل الحق شرهم إلا برقابة مستمرة لمنع تضليلهم، وفتنة الناس عن دينهم، ثم هم يخونون العهود، وطالما خانوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حروبه مع المشركين، حتى اضطر لإجلائهم عن المدينة وما حولها.

وإن هؤلاء يبررون خيانتهم للأمانة المادية بقولهم كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).

أي ذلك الامتناع عن وفاء الحق، وأداء الأمانة والإذعان لبواعث الهداية الذي هو أداء الأمانة المعنوية سببه زعمهم الذي قالوه، ونطقوا به وهو أنهم ليس عليهم سبيل أي تبعة أو ملام أو عتاب في شأن الأميين وأموالهم، وهذا معنى قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) فالأميون هم العرب، وليسوا أمِّيين، لأنهم لم يكن عندهم علم ولا حضارة، وكانت تغلب عليهم الأمية، وهي الجهل بالكتابة والقراءة، فكان هذا الاسم لهم لغلبة الأمية عليهم، ومعنى سبيل حجة ملزمة؛ لأن السبيل هو الطريق، وهو يطلق بمعنى الحجة باعتبارها طريق الإلزام وتحمل التبعات، وقد قال الزمخشري في تفسير هذه الجملة السامية (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) أي لَا يتطرق علينا عتاب وذم في شأن الأمِّيين، يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب، وما فعلنا بهم ما فعلنا من حبس أموالهم والإضرار بهم، إلا لأنهم ليسوا على ديننا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم، ويقولون لم يجعل لهم في كتابنا حرمة، وقيل: " بايع اليهود رجالا من قريش، فلما أسلموا تقاضوهم قالوا ليس لكم علينا حق، حيث تركتم دينكم ".

وإن هذه أخلاق الذين يظنون في أنفسهم العلو المطلق، ويستخدمون ذلك الظن الباطل، لأكل أموال الناس بالحق، وليفسدوا الأرض وهو ما عليه أهل أوروبا، يقومون بالحق في بلادهم، ويثبتون دعائمه في عشائرهم لَا يضيع عندهم

<<  <  ج: ص:  >  >>