للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأضمروا غيره، أم كان من الذين لم يدخلوا في ضمن المسلمين ظاهرا، إذ لا يمكن إلا أن يكون في قلبه حظ كبير من النفاق ما دام قد قبل أن يعمل خاصة وبطانة لمؤمن؛ لأنه لَا يمكن أن يصل إلى هذه المنزلة إلا إذا أَبْطن غير ما يظهر، إن لم يكن في شئون الاعتقاد ففي غيرها، فمن كان شأنه كذلك يكون منافقا لا محالة.

ويصح أن يكون المراد المنافقين الذين أضمروا الكفر وأظهروا الإسلام، ويكون هذا واضحا، ويؤيده قوله تعالى: (وَإِذَا لَقوكُمْ قَالُوا آمَنَّا) لأنهم يعلنون الإيمان، ولكن واضح أيضا أن قوله تعالى: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا). عامة تشمل المنافقين وغير المؤمنين، فكيف نذكر بعد ذلك أوصاف المنافقين فقط؟ والجواب عن ذلك أن النهي عام، وقد ذكر التعليل خاصا بالمنافقين، لأنهم الأقرب لئلا يعهد إليهم بخواص الأمور، إذ هم يعلنون الإسلام، ويبطنون غيره، فهم مظنة أن يخدع الحاكم فيهم، فدعاه القرآن الكريم إلى أن يتخير بطانته، وغيرهم لسان حالهم ينفر منهم إلا إذا كان الأمير أو الحاكم ممن لَا يحسنون الحكم ولا معرفة المصلحة.

وعلى النظر الأول، وهو أن يكون الكلام في قوله تعالى: (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا) عاما لكل الكافرين يكون معنى: (قَالُوا آمَنَّا) أنهم يظهرون الرضا بحكم الإسلام والاطمئنان إليه، وأنهم يريدون قوة الدولة الإسلامية وعزتها، فليس الإيمان على حقيقته، بل معناه الرضا بقبول الحكم الإسلامي.

ولا شك أن التخريج الآخر أوضح وأبين ومعنى (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) أن الحقد يأكلهم ولا يستطيعون إظهار الألم الشديد في حضرة المؤمنين، فيدخرون إظهاره حتى إذا خلوا أظهروه في أقسى مظاهره، وهي عض الأنامل من الغيظ، والأنامل قيل هي أطراف الأصابع، وقيل الأصابع نفسها، والمغيظ المحنق دائما يعض الأنامل، فهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>