للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مظهر لأعلى درجات الغيظ، وإن لم يقع من بعض الناس بالفعل، ولذا قال الشاعر:

فأقتلُ أقوامًا لئاما أذلةً ... يعضون من غيظٍ رؤوسَ الأباهِم (١)

فهذا التعبير كناية عن بلوغ أقصى درجات الغيظ، وفي هذا إشارة إلى أن من يكون إحساسهم نحو المؤمنين كذلك لَا يصح أن يوثق بهم في مهامهم؛ لأنهم منافقون، والمنافق ليس جديرا بالثقة، ولأنهم لَا يسرهم من المؤمنين إلا أن يكونوا في خبال.

وإنهم ما داموا لَا يريدون إلا الشر بأهل الإيمان، فإنه يجب أن يستمروا على حالهم من الغيظ، لأن الخير فيما يغيظهم، ولذا قال سبحانه: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُورِ).

الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء، ولكل مؤمن بالتبع له عليه الصلاة والسلام، وقوله (موتُوا بِغَيْظِكُمْ) ظاهره الأمر بالموت أو الدعاء بالموت، وحقيقته الدعوة إلى استمرارهم على غيظهم ما دام غيظهم سببه نجاح الإسلام ودعوته، وعموم هدايته وصلاح شأن المسلمين، فالأمر هنا طلب استمرارهم على غيظهم، فالمعنى استمروا على غيظكم، والاستمرار على الغيظ استمرار لسببه وهو نجاح الإسلام وقوته، وصيغة الأمر هنا للتهكم عليهم.

وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدورِ) لإفادة أن ما يبيتونه للمسلمين يعلمه الله ويحاسبهم عليه ويعذبهم، فحالهم في الدنيا شر حال، وفي الآخرة العذاب الأليم، فلهم كمد الدنيا، وعذاب الآخرة، وقد جوز الزمخشري أن تكون تلك الجملة من مقول القول المأمور به في " قل " وأن تكون من قول الله تعالى، والمؤدى واحد، وهو أن الله عليم بالسرائر والضمائر، وفيها تطيب لنفوس النبي والذين آمنوا بأن الله تعالى ناصرهم وكاشف أمر أعدائهم إذا أطاعوا أوامره،


(١) الأباهم: جمع الإبهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>