للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى ذلك يكون معنى قوله تعالى: (تُبَؤِئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) أي تسوي لهم بالتنظيم والترتيب مقاعد للقتال، فهي إذا تتضمن معنى التنظيم والتهيئة والاستعداد، ولقاء المشركين صفا واحدا، كأنهم بنيان مرصوص.

وهذا التنظيم إنما هو بيان مواقف القتال، وموضع كل فريق في الموقف الذي يقفه، ولكن النص السامي الكريم قال: (مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) فعبر عن المواقف بالمقاعد للإشارة إلى وجوب الثبات والسكون، حتى لَا يتحركوا إلا بأمر من القائد الأعظم وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد كان الثبات سبب النصر في غزوة أحد، والهزيمة كان سببها عدم الاستمرار في البقاء في مواقفهم، ذلك أن الرماة عندما رأوا المؤمنين قد انقضوا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - على المشركين يقتلونهم ويزيلونهم عن مواقفهم، تركوا مواقفهم وذهبوا وراء المؤمنين يغنمون ويأخذون، فانقض عليهم من ورائهم فرسان المشركين، فتفرقوا، وهذا قوله تعالى:

(حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ. . .)، ومن هنا كانت إصابة

المسلمين في موقعة أحد.

(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ذَيَّلَ الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بهذا النص السامي لبيان أنه تعالى مطلع على ما كان يجري بين المؤمنين وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من مشاورات، وما استقر عليه رأى كثرتهم، ثم نزوله عليه الصلاة والسلام عند رأى الكثرة، ثم عدول الكثرة إلى رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قول النبي لهم معتزما إمضاء ما قرروا أولا، وإن كان غير رأيه الذي مال إليه، ليعلمهم أن التردد ولو للصواب المحتمل ضرره أكثر من المضي ولو في الرأي المحتمل للخطأ، فإن صواب الحروب وخطأها، لَا يتبين، وإن التردد فيها يقتل، والمضاء فيها ينصر، وبين بهذا التذييل أيضا أن الله تعالى عليم بخفايا القلوب، فهو يعلم ما تهم به قلوب المؤمنين، وما توسوس به قلوب المنافقين، وما يبثونه من روح الذعر والهلع في نفوس المؤمنين، وبحديثهم مستجابا في قلوب ضعفاء الإيمان، وهم الذين قال القرآن عنهم: (فِي قُلُوبِهِم مَّرضٌ. . .).

<<  <  ج: ص:  >  >>