للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العقاب لأنه تقليم لأظفارها، وقطع لآثارها فلا يصح العفو عن زان يعلن جريمته، ولا عن سارق اعتاد السرقة واستهان بالحرمات، وروع الآمنين، كما لا يصح العفو عن فساق الألسنة، الذين يقذفون الناس، ويرمونهم بالسوء، ويعملون بذلك على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، فإن العفو في هذه الأمور استهانة بحرمات الله تعالى، إنما العفو المطلوب هو الذي يكون في أنواع الأذى الشخصي وهي التي ينطبق عليها قول الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، وقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، ولقد ذكرت عائشة في وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لَا يغضب إلا أن تنتهك حرمات الله، فإذا انتهكت حرمات الله لَا يقوم لغضبه شيء حتى ينتقم لله (١).

ولقد ختم سبحانه هذه الآية بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهي الصفة الرابعة، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة لتوجيه النظر إليها، ولبيان أنها أعلى منازل التقوى، وأنها تنال بها محبة الله تعالى، والإحسان معناه الإتقان والإجادة، وهو يطلق في عبارات القرآن الكريم بإطلاقين: أحدهما أن يراد به الإجادة المطلقة في كل ما يطالب الله تعالى به عباده، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - إحسان العبادة: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (٢).

والثاني: أن يكون العمل أكثر من المكافأة، فهو لَا يكافئ بالعدل بل يزيد، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإيتَاءِ ذي الْقرْبَى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ. . .)، وقوله تعالى: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ. . .)، والإحسان بالإطلاق الأول يتعدى بنفسه ويذكر بجواره العمل، والثاني يتعدى بـ " إلى " ويذكر بجواره المحسن إليه، وأقرب الإطلاقين في


(١) رواه البخاري: المناقب - صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣٢٦٩)، ومسلم: الفضائل - مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام (٢٣٢٧).
(٢) متفق عليه وقد سبق تخريجه من رواية البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>