للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرعب الخوف والانزعاج، أو استلاء النفس بالخوف والانزعاج، حتى تضعف الجماعة مع وجود أسباب القوة، وأصله من الملء مع الاضطراب، يقال سيل راعب، يملأ الوادي ويضطرب به، ورعبت الحوض ملأته، ومعنى إلقاء الله تعالى بث روح الخوف والفزع في قلوبهم، وإن إلقاء الله تعالى الرعب في قلوب المشركين كانت له مظاهر شتى: منها أن يضع سبحانه وتعالى فيهم الفزع، فيخافون عند النصر لهم من متابعته، كما كان عقب أحد، فإن المشركين سارعوا بالعودة وبينما هم في الطريق ندموا وقال قائلهم: بئس ما صنعنا، قتلناهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد ثم تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم، ولما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا لايلوون على شيء، ومن مظاهره النصر بالريح، كما كان في غزوة الأحزاب، فقد جاءت إلى المشركين ريح شديدة قذفت في قلوبهم الرعب، فعادوا ولم ينالوا شيئا، وقال تعالى في ذلك: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا).

وقد روى في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس جميعا " (١).

وقد ذكر سبحانه وتعالى السبب في إلقاء الرعب في قلوب أعداء أهل الإيمان فقال سبحانه وتعالى: (بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) والسلطان هنا هو الحجة والدليل، كما قال تعالى: (الَّذَينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ. . .)، وكما قال تعالى: (فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبينٍ)، وقال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ).


(١) سبق تخريجه، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاح (٥٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>