للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والطائفة التي لم تكن على هذه القوة والإيمان ذكرها سبحانه على أنها خارجة على الخطاب، وكأنها ليست من المؤمنين فقال تعالى: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهمْ أَنفسُهُمْ يَظنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ).

لأن نسق الآية يومئ إلى أنها بعيدة عن الخطاب، قال أكثر العلماء: إنها من المنافقين، أي أن هذه الطائفة ليست مؤمنة، بل كافرة تظهر الإسلام وتبطن غيره، ولكن الأوصاف التي ذكرت لها من بعد تومئ إلى أنهم من ضعاف المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بأن في قلوبهم مرضا - في غير هذا الموضع؛ وذلك لأن الله تعالى يصفهم بأنهم يظنون ظن الجاهلية، وهذا يفيد أنهم ليسوا من أهل الجاهلية، وهم يعتذرون لأنفسهم بالقضاء والقدر، والله سبحانه وتعالى بيّن أن ما نزل كان للابتلاء والتمحيص وأدخلهم فيه، وليس كذلك المنافقون، والنص يومئ إلى أنه كانت فيهم جراح، والمنافقون لم يخوضوا غمار الحرب، فلا جراح فيهم، ولا قتل، وهؤلاء كان فيهم قتل.

وفى الحق إن غزوة أُحد كان فيها عدد من ضعاف الإيمان، إذ قال سبحانه: (إِذْ هَمَّت طَائِفَتَانِ مِنكمْ أَن تَفْشَلا وَاللَّه وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنونَ).

وعلى ذلك نقول: إن هؤلاء كانوا من ضعاف الإيمان لَا من المنافقين.

ولقد وصف الله سبحانه وتعالى هؤلاء بأنهم أهمتهم أنفسهم، وبأنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، وكلمة " أهم " مأخوذ من الهم. والهم ما يهم به الإنسان، وما يحزنه، يقال: همني الأمر بمعنى أذابني من الحزن، ومعنى أهمتهم أنفسهم، جعلتهم لَا يجعلون لهم أمرا يهتمون به سواها، فلا يهمهم شأن الإسلام، انتصر أو انهزم، ولا شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، بل الذي يهمهم وحده هو أنفسهم، أو يكون المعنى: أوقعوا أنفسهم في الهم والحزن بعدم اطمئنانهم وعدم صبرهم وجزعهم المستمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>