للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن المرء إذا لم يكن له تفكير إلا في نفسه، ولا يهمه شيء سواها، أضفى عليها المعاذير إذا قصرت، وجعل السبب من غيرها لَا منها، ومن هنا يجيء الوصف الثاني، وهو (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَن الْجَاهِلِيَّةِ) والظن هنا ليس هو الاعتقاد الجازم، بل هو الوهم الملازم للضعف، المسيطر على النفس، وقوله (غَيْرَ الْحَقِّ) مفعول مطلق وصف لمصدر محذوف، والمعنى يظنون ويتوهمون بالله ظنا ليس هو الحق، ولا الذي يجب أن يظن بالله تعالى، وهو العدل والمعاونة الصادقة، والتأييد عند الثبات، وقد بين سبحانه وتعالى ذلك الظن غير الحق والذي لَا ينبغي أن يظن بالله تعالى، بينه بطريق عطف البيان، أو البدل المبين فقال: (ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) وشأن أهل الجاهلية أن يطرحوا عن أنفسهم التبعات، ويدعوا ألا مسئولية عليهم، وأن الأمر للمقادير وحدها إذ كانت النتيجة على غير ما يبغون.

ولذا قال سبحانه في تفسير ظن الجاهلية: (يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِن الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).

هذا القول هو مظهر الظن الباطل الذي ظنوه بالله سبحانه وتعالى: والاستفهام هنا استفهام إنكاري بمعنى النفي المطلق الشامل، والمعنى: ليس لنا من الأمر شيء أي شيء، فلسنا مسئولين عن الهزيمة إن انهزمنا، إنما الأمر كله لله تعالى، فأمر النصر والهزيمة بيده، وقد وعدنا بالنصر ولم ننتصر، فهم يلقون عن أنفسهم كل تبعة وكل مسئولية. وإن هذا إنكار للأسباب، وظن جاهلي؛ لأن الجاهلي إذا انتصر فرح وأشر وبطر، وأصابته عزة النصر غير ملتفت إلى إرادة غير إرادته، وإن أصابته كارثة حسبها من المقادير ملقيا عن نفسه كل تبعة، وقد رد سبحانه وتعالى وهمهم بأن أمر النبي بقوله: (قلْ إِنَّ الأَمْرَ كلَّه لِلَّهِ) أي أن تقدير الأمور كلها لله سبحانه وتعالى، لَا أمر النصر والهزيمة، فكل شيء عنده بمقدار، ولكنه سبحانه وتعالى خلق كل شيء بحكمته ومشيئته وإرادته وحده، وهو الذي قدر الأسباب ومسبباتها، وربط بين الأفعال ونتائجها، فمن اختلفوا ولم يطيعوا

<<  <  ج: ص:  >  >>