للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العزيمة عقد النية على إتمام الأمر بعد الاستشارة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط لتحقق العزم سبق الاستشارة فاعتبر الشورى ركنا من أركان العزم، فقد سئل - صلى الله عليه وسلم - عن العزم، فقال: " مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم " (١). وفي النص القرآني الكريم، والحديث النبوي الشريف إشارة إلى أنه بعد تعرف كل وجوه الرأي يكون الاعتزام ثم يكون العمل، ولا يصح أن تكون مشاورة أخرى بعد الدراسة العميقة السابقة إلا إذا جد أمر لم يكن في الحسبان ولم يكن في تقدير الذين استشيروا أولا فإنه يعاد النظر إليهم، وفي غير هذه الصورة تكون العودة إلى الاستشارة ترددا يدعو إلى الهزيمة والاضطراب، ولا يصح أن يكون التعصب لرأي إذا لم يؤخذ به باعثا على إعادة النظر، فإن ذلك استبداد من أصحاب هذا الرأي، وفوضى في الشورى؛ لأن ما يعتزم من آراء بعد الشورى هو رأى الجميع، ويجب أن يفنى معه كل رأى معارض وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه في غزوة أحد كان يرى البقاء في المدينة حتى يجيء إليها المشركون فيضيعوا في طرقها وأزقتها، وتكون الدور حصونا يرمون منها ولكن الكثرة رأت غيره، فنزل على رأيها، وأمضى الأمر، ولما وجدت حركة تدعو إلى رأيه وتكونت له كثرة، قال الرسول الحازم الرشيد: " لا ينبغي لنبي يلبس لأْمَته أن يضعها، حتى يحكم الله " (٢) واللأمة: الدرع أو السلاح.

ولقد أمر سبحانه وتعالى بالتوكل بعد المشاورة وأخذ الأهبة، وأن يكون التوكل مصاحبا للعزيمة والإقدام على العمل، وإن ذلك يستفاد منه أن التوكل على الله تعالى حق التوكل لابد أن يقترن بالعمل، وأن يسبقه دراسة للموضوع من كل نواحيه، وإن التوكل بعد ذلك أمر لابد منه؛ لأن العلم بالحق الأمثل من المناهج والأعمال عند علام الغيوب، فمهما يكن علم الإنسان فهو ناقص، فالتوكل عليه سبحانه فيه معنى الشعور بالنقص الإنساني مهما يظهر كماله، ولأن


(١) أورده السيوطي في الدر المنثورج ٢ ص ٣٥٧.
(٢) سبق تخريجه قريبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>