إخوانهم هم ذوو رحمهم وعشائرهم من المؤمنين الذين استشهدوا في أحد، والمعنى على هذا أن الذي فالوه لأجل أو في شأن إخوانهم، فاللام للتعليل وبيان الباعث على القول، فهم لَا يتألمون لإخوانهم وذوي رحمهم، ولكن يلقون باللوم عليهم.
وخلاصة القول: إنهم فرحون بأنهم لم يقتلوا لأنهم لم يخرجوا، ولائمون لمن خرجوا وقتلوا، شامتون فيهم، وهم بهذا يقررون أن موتهم سببه الخروج للقتال، وقد رد الله سبحانه وتعالى ذلك عليهم ببيان أن الموت مكتوب على الإنسان، وتقدر أسبابه، فقد يكون قتال ولا موت، وقد يكون موت من غير قتال، فقال سبحانه:(قلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كنتُمْ صَادِقِينَ).
الفاء هنا هي التي تسمى فاء الإفصاح وهي تفصح عن شرط مقدر، والمعنى: إذا كنتم تظنون أنكم دفعتم عن أنفسكم الموت بامتناعكم عن الذهاب إلى الميدان وقعودكم في الديار، فادرءوا أي ادفعوا عن أنفسكم الموت المكتوب الذي لا تفرون منه أبداً وهذا كقوله تعالى:(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُروجِ مُّشَيَّدَةٍ. . .)، والمرمى في هذا النص أنهم يعتقدون أنهم نجوا من الموت بقعودهم، فهل يعتقدون أنهم نجوا منه نهائيا؛. إنه ملاحقهم، وما دام ملاحقهم وهو حقيقة مقررة يثبنها الحس المستمر، فلماذا تفرون من القتال؟ والتعليق في قوله تعالى:(إِن كنتُمْ صَادقِينَ) لإفادة كذب حسهم، وكذب قولهم في زعمهم إن القعود سبب للنجاة، فإن الله سبحانه وتعالى يذكر لهم أنهم إن كانوا صادقين في أن القعود سبب للنجاة فليدفعوا عن أنفسهم الموت، لأن الموت لا يدفعه قعود ولا يستعجله خروج، ولتوضيح هذا الذي نقصده نقول: إن كلام هؤلاء المنافقين ككلام الكافرين الذي حكاه الله تعالى آنفا في قوله تعالى: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ. . .).