للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد كان اليهود يحرضون المؤمنين على الشح وعدم الإنفاق في سبيل الله تعالى بطرق شتى، وكانوا يحاولون أن ينالوا من إيمان أهل الإيمان، فلما نزل قوله تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا. . .) أخذوا يتهكمون على القرآن، وعلى دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويصفون الله سبحانه بما لا يليق، وذلك لِيُوهِنُوا قلوب المؤمنين، ويشككوهم في دينهم، أو ليبعثوا فيهم روح الشح. ويروى في ذلك عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) جاءت اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا محمد ربك فقير يسأل عباده القرض (١)، ويظهر أن ذلك قد تكرر منهم، وتجرءوا به على ذات الله سبحانه، أو اتجهوا إلى تكذيب ما في القرآن بالتهجم على ما اشتمل عليه في هذا المقام، ولقد بين سبحانه أنه عليم بقولهم علم من يسمع القول، ولذلك قال سبحانه: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا. . .) وفي هذا التعبير بيان أن الله تعالى مُطَّلِعٌ عليهم، ومراقب لهم مراقبة من يستمع إليهم، وفي ذلك من التهديد ما فيه، إذ إنه إشعار بأن ذا الجلال القوي القهار القادر على كل شيء والذي يملك الوجود ومن فيه وما فيه، مستمع لما يقال في شأنه، وما يتجرءون به عليه، كما يقول القائل لن يجده يتجرأ على عظيم: إنه يسمع قولك ويعلم به، فارتقب عواقب ما تفعل، واستشعر الهيبة والمخافة والخشية: (ولِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وقد عقب سبحانه ذلك بنتائج تلك المراقبة، وصرح بالتهديد الشديد في قوله تعالى: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمً الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ).

في هذا الكلام تهديد شديد لهم، وذلك لأن المعنى: سنثبت عليهم في سجل الله تعالى قولهم هذا وتجرؤهم عليه سبحانه، وليس المراد مجرد الكتابة، بل المراد نتيجتها وهو الحساب عليها، والجزاء من العذاب الأليم، والتعبير بالكتابة كناية عن العلم المستتر الثابت الذي تترتب عليه نتائجه وثمراته، ولما تضمنته الكتابة


(١) رواه ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس بسند حسن، وذكره الواحدي في أسباب النزول.

<<  <  ج: ص:  >  >>