للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من معنى العقاب الرادع الذي لَا مناص منه عبر بالمضارع فقال سبحانه: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا) والتعبير بـ (مَا قَالُوا) فيه إشارة إلى ما فيه من تجرؤ على الله تعالى، وتهجم على مقامه الأعلى سبحانه.

وقد قرن سبحانه ذلك القول الجرىء بعمل جرىء من أسلافهم، وقد ارتضوه، فكان من الحق أن ينسب إليهم، وهو ما عبر عنه سبحانه وتعالى بقوله: (وقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) وذلك لإثبات جرأتهم في الشر، واستهانتهم بالحقائق الدينية، وشرههم إلى الفساد، وقد أثبت الله سبحانه وتعالى بذلك فساد فعلهم بهذا القتل الشنيع، وفساد قولهم بذلك القول الفاسد الجرىء على الله سبحانه وتعالى.

وهنا تثار ثلاثة أمور نتكلم فيها بإيجاز:

أولها: في قرن هاتين الجريمتين، وقد أشرنا إلى أنهما من نوع واحد، وهو التجرؤ على الله سبحانه وتعالى، فالقديمة تجرؤ على رسالة الله، والثانية تجرؤ على ذات الله، وبذلك يكونون قد عتوا عتوا كبيرا، وضلوا ضلالا بعيدا. ثانيها: أن نسبة القتل إلى الحاضرين صحيحة لأنهم رضوا به، وإن لم يكونوا قد باشروه، ومن رضي بجريمة فقد فعلها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها من غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها " (١).

وثالثها: أنه وصف قتلهم للنبيين بأنه بغير حق - مع أن هذا النوع من الإجرام لَا يمكن أن يكون بحق أبدا، وذلك للإشارة إلى شناعة أفعالهم، وعظم شرهم، وأنهم لَا يبالون أكان فعلهم في موضعه أم في غير موضعه.

وقد قلنا إن هذه الكتابة هي للعقاب، وقد قال سبحانه بعد ذلك مصرحا بالعقاب: (ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ).


(١) رواه أبو داود: الملاحم - الأمر والنهي (٣٧٨٢) عن العُرس بن عميرة الكندي.

<<  <  ج: ص:  >  >>