للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا نوع من الإشراك لَا يقل خطرا عن الشرك في العبادة؛ لأن الله وحده هو الذي أنشأ الكون، وهو وحده الذي يشرع لعباده، وبين لهم أوامره ونواهيه، وليس لأحد أن يتكلم عنه إلا أن يكون رسولا منه إلى العالمين، فمن اتخذ غير الرسول طريقا لمعرفة شرع الله من غير كتاب الرسول وكلامه فقد أشرك بالله.

وقد ذكر سبحانه أنه لَا يغفر ذلك، وأكد عدم الغفران لهذه الحال بـ (إنَّ) التي تفيد التوكيد، فلا يرجو مشرك غفرانا، أيا كان نوع الشرك، إلا أن يقلع عنه، فإن الله تعالى غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا.

وقد ذكر سبحانه أنه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، وما دون الشرك يكون من مرتكب الكبيرة أو الصغيرة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن آمن بالأنبياء السابقين قبل أن تنسخ شريعتهم بالشريعة المحمدية، فإن هؤلاء قد وعد سبحانه وتعالى فضلا منه ومنَّة على عباده أن يغفر لهم ما يشاء لمن يشاء من عباده. ذلك أن من يرتكب الكبيرة إن تاب عنها غفرها الله تعالى، وإن لم يتب ولم تحط الخطايا بنفسه، وله حسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات. وفي ميزان الله تعالى العادل يوم القيامة توزن الحسنات والسيئات، فمن ثقلت كفة حسناته فأولئك هم المفلحون.

ومشيئة الله تعالى هي مشيئة الحكيم الخبير، الذي يضع كل أمر في موضعه، ولا يظلم ربك أحدًا.

(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) الافتراء هنا معناه الكذب الشديد الذي يؤدي إلى الفساد. جاء في مفردات الراغب: الفرى قطع الجلد للخرز والإصلاح، والإفراء للإفساد، والافتراء فيهما، وفي الإفساد أكثر، وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم نحو: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) فمعنى (فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) فقد كذب كذبا فيه ظلم وفيه إفساد وضلال، وكان ذلك كله إثما عظيما.

<<  <  ج: ص:  >  >>