للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتعبير عن الخروج بالبروز للإشارة إلى تفاوت ما بين أحوالهم! وتضارب مظهرهم مع خبيئتهم. ويقول الزمخشري في المعنى اللغوي للتبييت: (والتبييت إما من البيتوتة؛ لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل، ويقال: " هذا أمر بُيِّتَ بليل ". وإما من أبيات الشعر؛ لأن الشاعر يدبرها، ويسويها)، وعندي أن هذا المعنى غريب، ولكن الأولى هو الأول مضافا إليه معنى التزوير والتحسين، لأن (بيّت) تتضمن معنى التزوير والتمويه. والمعنى على أي حال أن هذه الطائفة، بعد خروجها من عندك، تدبر أمر مخالفتلث، وتحسن هذه المخالفة وتزينها لنفسها في خفاء، والله يعلم ما يسرون وما يعلنون، ولذا قال:

(وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) والله سبحانه وتعالى يعلم ما يبيتون، فلم يكن خافيا قبل أن يقع، ولم يزدد به علما بعد الوقوع، فهو يعلم ما كان وما يكون إلى يوم الدين. وفي هذه الجملة تهديد لهم وتطمين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الله تعالى يبين أن تبييتهم وإخفاء نياتهم لَا يخفى على الله، بل إن علمه به علم ما يكتب وما يسجل عليهم، ليكون مرئيا لهم في صحائف أعمالهم يوم القيامة، وليعلم نبيه بتدبيرهم السيئ ونيتهم، ليتقى شرهم، ويحفظه من أذاهم، فإنه هو ناصره وكافله. وإذا كان الله تعالى يكتب عليهم ما يخفونه، فليس للنبي أن يأبه لهم والله حافظه وكالئه، ولذلك أمره بألا يلتفت إليهم، ولا يأخذه هئم في شأنهم، وليعتمد على الله، وليكل إليه أموره، ولا يكل أموره إلى غيره، وإنه إن توكل على الله حق التوكل، حفظه، وكفاه شرهم، ولذا قال سبحانه وتعالى: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا).

والمعنى: يكفيك أن الله تعالى هو الموكل بأمرك، وهو حافظك وكالئك وحاميك، ومن كان الله تعالى وكيله والموكل بأموره، فلن يضيع أبدا.

اللهم هيئ للمسلمين أسباب العزّة، ووفقهم للعمل الصالح، واجعلهم يكلون مآل أمورهم إليك، إنك نعم المولى ونعم النصير.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>