للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاحتراز وصيانة الأنفس، وحسبك مثلا في عصرنا أننا نرى استهانة سائقي السيارات بالأنفس لنقص العقوبة على جريمة القتل الخطأ، فكان التقصير في تحرزهم واضحا، ولأن من المقررات الشرعية ألا يذهب دم في الأرض الإسلامية هدرا، وقد قال في ذلك الزيلعي من فقهاء الحنفية: الضمان في الخطأ بضرورة صون الدم من الإهدار، ولولا ذلك لتخاطأ كثير من الناس، وأدى إلى التفاني؛ ولأن النفس محترمة، فلا تسقط بعذر التخاطؤ، فيجب المال صيانة لها من الإهدار.

وأما السبب في كون العقوبة على هذا النحو، فقد أشرنا من قبل إلى أنه قد اعتدى على الجماعة بتقصيره في التحرز، فوجب عليه أن يعوض الجماعة الإسلامية عما فقدت، واعتدى على الأسرة فثكلت عائلها أو وليها، فكان لَا بد من تعويضهما، فأما تعويض أماعة فبإعتاق رقبة مؤمنة، لأن تحرير العبد كأنه إحياء له، إذ الحرية هي الحياة، ولأنه أفقد الجماعة عنصرا عاملا فيها، فكان لابد من تعويضها بعنصر عامل لها، والعبد عمله لسيده، أما الحر فعمله لجماعته، واعتداؤه على الأسرة كان تعويضها عنه ذلك المال المدفوع.

هذه حال الاعتداء بالخطأ على المؤمن في دولة الإيمان. أما إذا كان المؤمن ينتمي إلى الأعداء فإن الدية لَا تدفع. قال تعالى:

(وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤْمِنَةٍ)

أي أنه إذا كان ينتمي إلى الأعداء، فإن الدية لَا تدفع. لأن أموال الأعداء وأرواحهم غير مصونة، ولأن إرسال الدية إلى قومه تقوية لهم على المؤمنين، فلا تعوض أسرة القتيل، ولكن تعوض الجماعة الإسلامية بالحرية التي تمنح لواحد منها تعويضا عما فقدت.

والحال الثالثة: إذا كان المقتول من قوم بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق، وفى هذا تدفع الدية إلى أهله، ولذا قال سبحانه: (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهم مِّيثَاقٌ فَدِيَة مّسَلَّمَة إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)، والذين لهم ميثاق فريقان: فريق

<<  <  ج: ص:  >  >>