للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعيش بين المؤمنين، وفريق يعيش في دولة أخرى بينها وبين المسلمين عهد، فأما الفريق الأول فهم الذين لهم ذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده، وهذا أقوى عهد موثق ومؤكد، وبمقتضى حكم الإسلام لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ويسمون ذميين. ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من آذي ذميا فأنا خصمه يوم القيامة، ومن خاصمته خصمته " (١)! ولقد كان الراشدون رضي الله عنهم يعْنَوْن بأمرهم، ويقيمون العدالة فيهم. وأما الفريق الثاني فإنهم أقوام لهم دولة قائمة، وبينهم وبين المسلمين عهد موثق بعدم الاعتداء وإقامة السلم فيما بينهم وبين المسلمين، وقد يكون بينهم وبين المسلمين حلف على التناصر إذا حصل اعتداء.

وهنا إشارة بيانية تؤكد حرص الشرع على دفع الدية لأهل المقتول ولو كانوا غير مسلمين، وهي تقديم الدية على الكفارة؛ لأنها نفيت في حال القاتل الذي ينتمي إلى الأعداء، فكان لابد من توكيدها حتى لَا يتردد القاتل في دفعها إلى غير المسلمين، إن كان بينهم وبين المسلمين ميثاق بمنع الاعتداء.

وقد قال بعض العلماء. إن الدية ذُكرت منكّرة ولم تذكر معرّفة، فلم يقل تعالت كلماته: الدية تسلم لأهله؛ وهي قد ذكرت منكرة في الحالين اللتين وجبت فيهما، واستنبط من هذا أنها لو ذكرت معرفة لكان تقدير النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانا لمعناها في القرآن، وما جاز تقديرها بغير تقديره، ولا الاتفاق على غيرها.

ونحن نؤيد هذا الاستنباط بشرط ألا يكون تفاوت في تقدير الدية من حيث الجنس أو اللون، أو القوة والضعف، أو العلم والجهل، أو التحضر والتَّبَدِي، فإن هذا شأن الجاهلية، ولا يقره الإسلام، ولا يصح أن يترك الأمر ليستغل القوي ضعف الضعيف.

وهنا يجب أن نذكر فرعين: أحدهما - إذا قتل المؤمن ذميا أو معاهدا غير مسلم، فهل تجب الدية والكفارة؟ والجواب عن ذلك أن الدية واجبة الأداء باتفاق


(١) رواه الخطيب عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا كما في الفتح الكبير: ج ٦، ص ٤٨١ برقم (٢٠٠٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>