للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلماء، أما الكفارة فهي موضع نظر، وأميل إلى وجوبها، لأن التحرز عن دم الذمي أو المعاهد كالتحرز من دم المسلم، لأنه معصوم الدم كالمؤمن على سواء، وموجبات الأمن لأهل الدولة الواحدة ثابتة، ولأن الكفارة عبادة، وعتق أهل الإيمان أمر مرغوب فيه.

الفرع الثاني: إذا قتل الذمي ذميا، فإن الدية بلا ريب واجبة؛ لأنها تعويض لأسرة القتيل، ولأنها في معنى القصاص من القاتل قتلا خطأ، وأما الكفارة فإنها عبادة، فلا تجب على غير المسلم، وخصوصا أن فيها صوم شهرين متتابعين، والصوم عبادة إسلامية، والأمر فيه بين العبد وربه، والصوم يكون حيث لَا توجد الرقبة.

(فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي فمن لم يجد رقبة مؤمنة يعتقها، فالواجب في الكفارة، حيث تجب، صيام شهرين متصلين في أيامهما، لَا يفرق بينها فطر، بحيث لو أفطر يوما فيها استأنف من جديد ابتداء الشهرين، إلا أن يكون إفطار اليوم لعذر كمرض أو سفر مضطر إليه، وخالف في ذلك أبو حنيفة والشافعي، وقررا وجوب الاستئناف من جديد، ولو كان الإفطار لعذر قاهر. والآية تصرح بأن سبب الكفارة هو التوبة والرجوع إلى الله تعالى من تقصير في التقدير. وقد يقال: إذا لم يكن إثم فمن أي شيء تكون التوبة، مع أنه باتفاق العلماء لَا إثم في الخطأ؛ ونقول: إن إثم القتل لَا يتحقق عند الخطأ كما نقلنا من قبل، ولكن التقصير قد يكون ثابتا، والتوبة إنما هي من هذا التقصير، والحمل على الاحتياط والتحرز في المستقبل، والكفارة مذكر مستمر بالتقصير حتى لَا يتكرر من بعد.

وقد ذيل الله تعالى النص الكريم بذكر اتصافه بأنه عليم بكل شيء، عليم بالنفوس وحركاتها ومداها، وعليم بما يقع من الأعمال، ويجول في النفوس والخواطر، وهو المدبر لكل شيء بحكمته، والذي يشرع الأحكام على مقتضى المصلحة الإنسانية العالية.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>