مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " ليس الغِنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس "(١) وقد أخذ بعض العلماء الشعراء هذا المعنى، وضمنه بيتين من الشعر فقال:
تقنع بما يكفيك واسْتعمِل الرضا ... فإنك لَا تدري أتصبحُ أم تمسي
فليس الغِنَى عن كثرةِ المالِ إنما يكونُ الغِنَى والفقر من قِبَل النفس ومعنى النهي في النص السابق مع هذا النص الكريم: لَا تنكروا السلام والأمن على من يلقيه إليكم، مبتغين متاع الدنيا؛ لأنكم خرجتم بذلك عن الجهاد في سبيل الله تعالى إلى طلب المال والدنيا، وما لأجل ذلك كان القتال، بل قاتلوا في سبيل الله بالحق، واطلبوا الله بفعالكم، واطلبوا ما عنده سبحانه، فإنه إذا كان ذلك كانت المغانم الحلال، وإنها لكثيرة، ولذا قال سبحانه بعد ذلك النهي:(فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِم كثِيرَةٌ) والمغانم جمع مغنم، وهو ما يصل إلى الإنسان من طريق حلال، ويطلق في القتال على ما يأخذه المحاربون من أعدائهم، غالبين لهم بهذا الأخذ، فهو يطلق على ما يؤخذ في أثناء القتال، أو في أعقابه، قبل أن تنتهي الحرب، ويتم الصلح أو الغلب النهائي. وهذا وعد من الله تعالى بكثرة المغانم، ولكن وعد الله مشروط بالصدق في القتال، وطلب ما عنده سبحانه.
وقد أكد سبحانه وتعالى النهي عن قتل من أعلن الإسلام أو الاستسلام بقوله سبحانه:
(كذَلكَ كنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا) بهذه الحال التي ترونها في المشركين الآن، من جحود بالحق وكفر به، كنتم من قَبْلُ، حتى هداكم الله تعالى، وإذا كنتم كذلك، فتبينوا حال الذين تقاتلونهم، عسى أن يكونوا قد هدى الله بعضهم كما هداكم، وأن يكون قد مَنَّ عليهم كما مَنَّ عليكم، فلا تستكثروا على مشرك أن يُؤْمِنَ، ولو كان ذلك في حومة الوغى، فنور الهداية مفتوح في كل
(١) متفق عليه؛ رواه مسلم: الزكاة - ليس الغنى عن كثرة العرض (١٠٥١)، والبخاري: الغنى غنى النفس (٦٤٤٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه.