للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مؤمن، وسواء أنطق بالشهادتين مع ذلك، أم لم ينطق. والنهي عن قتل بالنهى عن رد الكلام الذي قاله معلنا السلام،؛ ورد الفعل الذي يدل الاستسلام، فمعنى النص الكريم لَا تردوا إلقاء السلام وفعله الذي يدل عليه، قائلين: لست مؤمنا، أي لست مصدقا للشهادتين. إن نطقت بها، أو لست من صقوف المؤمنين حتي يحرم أنفسنا قَتلك. فمعنى (لَسْتَ مُؤْمِنًا) على هذا يشمل أمرين: أحدهما إنكار الإيمان إذا ادعاه، والثاني أن يقال له مع استسلامه، وإن لم يعلن إسلامه: نقتلك لأنك لست من قومنا، أو من صفوفنا!. وبذلك ينهى الإسلام عن القتل ما دام قد منع الاعتداء. ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ينهى عن قتل من أعلن الاستسلام ولو بالإشارة، فقد أرسل إلى قائد جيشه الذي كان يفاتل في فارس، ينهى عن أن يقتل أحد أشار بالاستسلام، ويحذر من يقتله بأنه سيقتله به؛ لأنه اعتدى، والإسلام ينهى عن الاعتداء، ولو في القتال، ولذا قال سبحانه: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠).

وإن الذين يقتلون من يطلب الأمان مستسلما، أو من يعلق الإسلام مسلما، يخرج قتالهم عن معنى الجهاد في سبيل الله تعالى إلى معنى آخر يجافيه، وهو أن يبتغوا عرض الدنيا بالمال يطلبونه، أو بإعلان قوتهم، وليس ذلك مقصد الإسلام من القتال، إنما مقصده إعلاء كلمة الله تعالى، وبيان كلمة الحق، ولذلك قال سبحانه:

(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ) الابتغاء الطلب الشديد، والرغبة الملحة. وعرض الدنيا، جميع متاعها، وسمي متاع الدنيا عَرَضا؛ لأنه مهما يكن زائل غير ثابت، فهو عارض لَا يدوم، ومنه قول - رضي الله عنه: " الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البَرُّ والفاجر " (١)! ومنه ما روي في صحيح


(١) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ وَعَدٌ صَادِقٌ , يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، يُحِقُّ بِهَا الْحَقَّ , وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ ". رواه البيهقي ج ٤، ص: ٤٦٥ (٥٨٣٧)، كما رواه الطبراني في الكبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>