على الحق، ولا يكون الجهاد بمقتضى العرف الإسلامى إلا ردا للاعتداء. والجهاد لا يكون بالقتال وحده، بل يكون ببذل المال في تأييد الحق، وبالبيان في الدعوة إليه، ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " - جاهدوا المشركين بأنفسكم، وأموالكم، وألسنتكم "(١). ومعنى النص الكريم: لَا يسستوي الذين قعدوا عن الجهاد لإعلاء كلمة الحق، ولم يخرجوا مناصرين له بأنفسهم وأموالهم، مع الذين قعدوا عن ذلك، من غير ضرر ملاؤم لهم، كمرض مزمن أو عمى أو شلل أو عربي، أو الذين لَا يجدون ما ينفقون منه في إعداد العدة، ولا يوجد من يقدم لهم السيف والزاد والراحلة. وقد بين الله سبحانه وتعالى أولي الضرر في آية أخرى، وقال:(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢).
ونجد في هذا النص الكريم أن الإخلاص مع الاستعداد وعدم القدرة على التتفيذ قد يغني عن الجهاد، أو علي الأقل يسقط المؤاخذة، ولذا قال تعالى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي أخلصوا، وبذلوا في سبيل الله ما يستطيعون بذله.
ونجد في النص الكويم إشارة إلى أن الجههاد بالمال جهاد، وإلى أن القعود نوعان: أولهما قعود مادي حسي، بمعنى ألا يخرج من الدار والعدو متأهب لمنازلة أهل الإسلام، أو غزوهم في عقر دارهم، وما غزى قوم في عقر دارهم، إلا ذلوا، كما قال فارس الإسلام عليٌّ - رضي الله عنه -، والثاني. قعود عن
(١) رواه أبو داود: الجهاد - كراهية ترك الغزو (٢٥٠٤)، وأحمد: باقي مسند المكثرين (١١٨٣٧)، والدارمي: الجهاد - جهاد المشركين باللسان واليد، كما رواه النسائي: الجهاد - وجوب الجهاد (٣٠٩٦) ولفظه عند النسائي: " جَاهِدُوا المشركِينَ بِأموَالهُمْ وَأيْدِيكئم وَألسنتكمْ " كلهم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه.