للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البذل والإنفاق في سبيل الحرب، وهذا قعود عن الجهاد بالمال، وهو لَا يقل خطرا عن القعود والعدو قد أخذ الأهبة، ولذلك عَدَّ القرآن الكريم البخل في هذه الحال مؤديا إلى التهلكة، ولذلك قال تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

ولا شك أن أكمل الجهاد ما كان بالمال والنفس، كما هو الشأن في جهاد كثير من الصحابة، كأبي بكر وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم من كبار الصحابة الذين كان لهم مال بذلوه، وكان لهم بلاء في ميدان القتال، فقاتلوا في سبيل الله بأنفسهم.

والآية تشير إلى وجوب إعداد الشباب في الأمة للجهاد، بأن يتربوا منذ طفولتهم على أساليب الحرب والنزال، فإنه لَا يسوغ استنفار طائفة إن حملت السلاح لَا تستطيع الضرب، ولذلك وردت الآثار بتعليم الشباب الرماية، والدربة على القتال، ويعدُّ ذلك ضَرُوريا من ضروريات التعليم الديني. وإذا كان الإسلام قد منع العكوف في الصوامع للعبادة وحدها، فقد أمر الأمة كلها بالجهاد في سبيله، أو الاستعداد له، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " رَهبانيةُ أمَّتي الجهاد في سبيل الله " (١).

وإذا كانت المساواة بين القاعد والمجاهد غير سائغة في حكم العقل والشرع، فالفضل في الدرجة للمجاهدين؛ ولذا قال سبحانه:

(فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) وإذا كان التساوي بين المجاهدين والقاعدين من غير ضرر يمنعهم غير مستساغ، فإن الله تعالى فضَّل المجاهدين بالمال والنفس على القاعدين ذوي الضرر، وجعلهم في درجة أعلى من القاعدين لعذر، والمراد بالدرجة أن يكون لهم فضل أعظم، ومكانتهم عند الله أكرم من ذوي الأعذار؛ وذلك لأن جهاد


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>