للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بهم سوادهم، وكانوا يخرجونهم معهم في القتال، فيصيبهم المسلمون بسهامهم أو سيوفهم.

ومهما يكن سبب النزول، فالعبرة بعموم اللفظ، لَا بخصوص السبب، فإن كل مؤمن يعيش في أرض يستذل فيها، أو لَا يستطيع إقامة حق دينه فيها، أو يعامل بغير الأحكام الإسلامية يكون من الواجب عليه أن يهاجر إلى الأرض التي يكثر فيها سواد المسلمين. وقد فهم هذا المعنى العام " الزمخشري "، فقد قال في ذلك: (وهذا دليل على أن الرجل إذا كان في بلد لَا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب، لبعض الأسباب، والعوائق عن إقامة الدين لَا تنحصر، أو علم أنه في غير بلده أقوم بحق الله تعالى، وأدوم على العبادة، حقت عليه المهاجرة. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من فر بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرا من الأرض، استوجب الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم، ونبيه محمد " (١)، وقد ذكر الزمخشري أنه فعل ذلك - صلى الله عليه وسلم - إذ جاور بيت الله الحرام، وقال جار الله الزمخشري داعيا ربه: (اللهم إن كنت تعلم أن هجرتي إليك لم تكن إلا للفرار بديني، فاجعلها سببا في خاتمة الخير ودرك المرجو من فضلك، والمبتغى من رحمتك، وصل جواري لك بعكوفي عند بيتك بجوارك في دار كرامتك يا واسع المغفرة) (٢).

هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالإقامة في دار لَا تحكم بالإسلامِ، ولا يكون فيها قوة لأهل الحق - تسألهم الملائكة يوم القيامة، فيقولون لهم: (فِيم كُنتمْ)، ويقول الزمخشري إن المعنى: في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ والسؤال للتوبيخ، ومؤداه إنكم لم تكونوا مستطيعين إقامة شئون دينكم، فكيف ترضون بذلك؟ وعندي أن معنى النص: (فِيمَ كُنتمْ)؛ في أي حال كنتم؟ أكنتم في عزة أم في ذلة؟ وكيف ترضون لأنفسكم الهوان، ولدينكم الدنية؟. والاستفهام للتوبيخ أيضا كما قرر الزمخشري.


(١) أخرجه الثعلبي من طريق الحسن مرسلا، وقد ذكر ذلك الآلوسي ج ٥، ص ١٢٥.
(٢) ذكره الزمخشري ج ١ ص ٥٥٦ من الكشاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>