للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أجابوا عن ذلك بما حكاه الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله: (قَالُوا كنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ)، ومعنى مستضعفين أنهم أريد ضعفهم وإذلالهم وعدم تمكينهم من إقامة الحق؛ لأن السين والتاء تدلان على طلب الضعف لهم من غيرهم، فهم يعتذرون بأن أعداء الدين أو المسيطرين عليهم أرادوا بهم هذا الضعف، وألزموهم إياه، فلم يستطيعوا عنه حولا!. وهذا اعتذار غير سليم، لأنهم كانوا في ذات أنفسهم ضعفاء، إذْ رضوا بالذل والهوان، ولذلك قالت لهم الملائكة: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِروا فِيهَا) والاستفهام هنا إنكاري أيضا، ومعناه: لقد كانت أرض الله تعالى واسعة، فلماذا لم تهاجروا إلى تلك الأرض الواسعة، حيث العزة، وحيث الجهاد، وحيث يكثر سواد المسلمين، ويعتز أهل الإيمان، ويكون المؤمنون بعضهم لبعض، ويكونون في الجهاد كالبنيان المرصوص المتماسك، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضا " (١).

وإن هذا النص الكريم يدل على أن المؤمن محاسب إذا رضي بالذل والدعة والعيش الناعم في غير أرض الإسلام، وأنه خير له أن يعيش في ظل الإسلام وفي خشن العيش مع العزة، من أن يعيش في نعيم مع الذلة، ولذا قال تعالى في عقاب هؤلاء المنقطعين عن الإسلام:

(فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) أي إن هؤلاء الذين رضوا بالذل وظلموا أنفسهم، أو رضوا بأن يكونوا في قوة أعداء الإسلام، ولم يكونوا مع المسلمين، مدَّعين أن الضعف هو الذي أقعدهم - إذا كانوا قد ارتضوا الإقامة في مكان الهوان في الدنيا، فإن مأواهم الذي يأوون إليه في الآخرة هو جهنم، وهي مصيرهم الذي يصيرون إليه، ونهايتهم التي ينتهون إليها، وما أسوأ جهنم مآلا ونهاية ومأوى لمن يسيرون في طريقها، فأُولئك جمعوا على أنفسهم هوان الدنيا وعذاب الآخرة!.


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: الصلاة - تشبيك الأصابع (٤٨١)، ومسلم: البر والصلة والآداب - تراحم المؤمنين وتعاطفهم (٢٥٨٥). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>