والتأسِّي به في كثير من الأحاديث وَآيات القرآن الكريم، وقال - صلى الله عليه وسلم - " صلوا كما رأيتموني أصلي "(١)، وإن كثيرا من المطالب التكليفية يكون الخطاب فيها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لأمته، وإن الصحابة جميعا فهموا عموم الرخصة في صلاة الخوف، فَعَدَّوْها إلى كل إمام في الجيش، وهو أعلم بمقاصد الإسلام؛ لأنهم تلقوا علمهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الإمام القائم بالجهاد هو خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، ولأن المعنى في صلاة الخوف لَا يتحقق فقط مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يتحقق مع كل أمير جهاد، ولأن صلاة الخوف هي من نوع الحذر، والجمع بين المُضي في القتال، والمُضي في الصلاة التي هي عماد الدين، والحذر مطلوب دائما، وقد بين الله سببها فقال:(وَدَّ الَّذِين كَفَروا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ).
هذا، ولا بد من التنبيه لأمرين: أحدهما - صلاة المغرب، فقد كانت الصلاة التي تكلم فيها الفقهاء هي الصلاة الثنائية بالأصالة، وهي الفجر، أو الثنائية بالقصر، وهي صلاة الظهر والعصر، والعشاء. وأما المغرب فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها روايتان: إحداهما أنه صلى بالطائفة الأولى ثلاثا، وبالثانية مثلها، وبهذه الرواية أخذ الحسن البصري. والرواية الثانية أنه صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالثانية واحدة، وهذا قول أبي حنيفة ومالك. وروى أن الشافعي قال: يصلي بالأولى واحدة، وبالثانية اثنتين.
الأمر الثاني - أنه لَا يلزم الاتجاه إلى القبلة إذا خيف أن يأخذ العدو المؤمنين على غرة، وذلك في حال الالتحام الشديد، وإذا خيف فوات الوقت يصلي متى أمكن له أن يصلي، وبذلك قال مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وقال غيرهم: يصلون بالإيماء، ولا يتركون الوقت.
والسبب في شرعية صلاة الخوف هو الحذر، والخوف من المباغتة، ولذا كرر الله الأمر بأخذ الأسلحة والحذر، وبين ما يوده الكفار فقال:(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً).
(١) جزء من حديث سبق تخريجه من رواية البخاري وغيره عن مالك بن الحويرث.