للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا كانت العبادة الصحيحة هي ثمرة الخلق والتكوين والخضوع المطلق لسلطان الله تعالى، فإن العبادة في القول والعمل ومعرفة الكون لَا تكون إلا برسالة الله تعالى وحده إلى الإنسان، فمن كفر بهذه الرسالة فقد ألغى معنى الوحدانية.

والله تعالى لَا يغفر الشرك، وكان تعبيره سبحانه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ) للإشارة إلى أنه لَا يغفر ذات الشرك، ولكن يغفر للمشرك إذا خلعه وتاب عنه، ودخل فيما يدعو إليه الرسل، كما قال تعالى: (قُل لِلَّذِينَ كفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ).

ولذلك أضيف نفي الغفران إلى الشرك لَا إلى من تلبس به، فإن الغفران يلحقه إذا خلعه.

وما دون الشرك وإنكار الرسالة من العاصي، يكون تحت غفران الله سبحانه وتعالى، ويتعلق بمشيئته، ومشيئته سبحانه قد أشار إلى بعض ما تتعلق به من أعمال العباد، ومنها التوبة، فإن التوبة النصوح تخلع المؤمن من ذل المعصية إلى عزة القبول، ومنها كثرة الحسنات وقلة السيئات، فان الله تعالى يقول: (. . . إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. . .). فمن رجحت كفة الحسنات في ميزانه يوم القيامة، قد وعدنا رب العالمين بأنه يغفر له، ومشيئة الله تعالى لا حدود لها، ولكن منها ما بينه.

وقد قالوا في سبب نزول هذه الآية: إنه جاء شيخ من العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني شيخ منهمك في الذنوب، إلا أني لم أشرك بالله منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أوقع المعاصي جرأة على الله تعالى ولا مكابرة له، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا، وإني لنادم مستغفر، فما ترى حالي عند الله؟ فنزلت هذه الآية (١).


(١) أخرجه الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما في تفسير الآلوسي، وذكره القرطبي في التفسيرج ٥، ص هـ ٣٨ عن الضحاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>