وفيها ما يدل على أن الله يغفر للتائبين المستغفرين الخارجين من نطاق المعصية إلى سعة الفضيلة، وإن ذلك لَا يمنع غفران الله تعالى لمن كانت له معاصي وطاعات، والمعاصي لم تغلب عليه ولم تفسد نفسه، بل استمر قلبه مضيئا بنور الإيمان والحق.
(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا) قد يسأل سائل: إذا كانت التوبة تجبُّ ما قبلها، والإيمان يجبّ ما قبله، فإذا انخلع الشرك، وحلت محله عقيدة الوحدانية، وغفر الله ما تقدم من الشرك، كما ورد النص الذي تلوناه، فلماذا يفرق بين الشرك وغيره من المعاصي؟ والجواب عن ذلك أن الشرك إذا سكن النفس واستقر فيها، كان الخروج منه صعبا وعسيرا، ولذا قال سبحانه:(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا).
والضلال هو السير في غير الطريق الموصل، فالضال في بادية يسير في غير طريق النجاة، وكلما بعد عن الطريق المستقيم أوْغَل في الضلال، والمشرك الذي تدرنت نفسه بالشرك قد ضل عن طريق النجاة، وكلما استمر في سيره كان مستمرا في الضلال، فمن يشرك بالله غيره، فَيدَّعي أن له شريكا في الخلق والتكوين، أو في الوجود مما يماثله ذاتا أو صفات، أو يدعي أنه يستحق العبادة معه، فقد سار في طريق الشر سيرا بعيدا، ومن ضل سيجد كلما سار أبوابا من الشر، فمن كان في بحبوحة الإيمان قريب الرجوع، وتكون له حسنات بجوار السيئات، فيكون باب الغفران مفتوحا، أما من أشرك بالله، فقد كان في معاص مستمرة، وليس له من الحسنات ما يرجح كفة الميزان؛ لأن الشرك يقتل الحسنات قتلا، فلا تقبل فيه طاعة.
والشرك هنا هو نقيض الوحدانية، وهناك شرك خفي، وهو أنه يرائي في عبادته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك "(١)!.