للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا نجد النص فيه عمل أهل النفاق، وهو أنهم يخادعون الله، وعمل الله تعالت قدرته عليهم، وهو أنه خادعهم، وقد تكلم العلماء في معنى مخادعتهم لله تعالى، وكلامهم ينتهي إلى تخريجين.

أحدهما - أن معنى مخادعتهم لله تعالى أنهم يعاملون الله تعالى كأنهم يخادعونه؛ إذ يظنون أنه يخفى عليه أمرهم فيعلنون غير ما يبطنون، ويظنون أن الله تعالى لَا يعلم ما في قلوبهم، وخفايا نفوسهم؛ وذلك لأن المخادع يتوهم أن من يخادعه لَا يعلم أمره، فهؤلاء لفرط جحودهم، وكفرهم بالله وجهلهم لذاته وصفاته يتوهمون أن أمورهم خافية عليه، وأنهم معه كأمرهم مع الناس، إذ يخفون ما لَا يبدون.

والثاني - أن معنى مخادعتهم لله أنهم يخادعون النبي والمؤمنين؛ إذ هم أولياء الله تعالى، ومن يخادعهم كأنما يخاح الله سبحانه وتعالى، وقد وضح هذا التخريج الراغب الأصفهاني، فقال: " الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه. قال تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ) أي يخادعون رسوله وأولياءه، ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث إن معاملة الرسول كمعاملته، ولذلك قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) ".

وجعل ذلك خداعا له تفظيعا لفعلهم وتنبيها على عظم الرسول وعظم أوليائه، وقول أهل اللغة إن هذا على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم أن المقصود بمثله في الحذف لَا يحصل لو أتى بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التنبيه على أمرين: أحدهما فظاعة فعلهم فيما تحروه من الخديعة، وأنهم بمخادعتهم إياه يخادعون الله، والثاني التنبيه على عظم المقصود بالخداع، وأن معاملته كمعاملة الله تعالى.

ومرمى هذا الكلام هو بيان منزلة الرسول وأولياء الله، وأن خداعهم خداع لله وهو أمر فظيع، وأن الأصل هو أن الكلام على حذف مضاف وهو الرسول والمؤمنون، وكأن نسق الكلام: يخادعون رسول الله، فحذفت كلمة الرسول،

<<  <  ج: ص:  >  >>