للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام (فنقر أربعا) لَا يذكر الله فيها إلا قليلا " (١).

والحقيقة النفسية في هذه الصلاة أنهم يتوهمون بها أنهم يخدعون غيرهم، إذ إنهم يصلون هذه الصلاة ليراءوا بها، والرياء أن يقوم الشخص بالعمل الجميل في مظهره لَا لاتباع أمر الله والقيام بحق الغير عليه ونفع الناس به، بل ليخدع به الناس ويظهر بالخير ابتغاء رضاء الناس. والرياء نوع من الشرك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك " (٢).

وإن هذا النوع من الخداع مكشوف كما رأيت، فهم لَا يقصدون وجه الله بصلاتهم، ولكن يقصدون ستر نفاقهم وتغطية أمرهم، ولذلك قال الله تعالى فيهم:

(وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) أي أنهم لَا يجري ذكر الله تعالى في قلوبهم إلا ذكرا قليلا، أو إلا وقتا قليلا لَا يلبث أن يطفئه النفاق وإذا قامت في قلوبهم شعلة من الإيمان بالله لَا تلبث أن تخبو لغلبة أهوائهم؛ وذلك لأن هؤلاء المنافقين يعرفون الله تعالى، ويدركون معاني الإيمان، ولكن غلبت عليهم شِقْوَتُهم، فكفروا به إذ عرفوه، ومن كانت هذه حاله يعتريه أحيانا تذكر لله تعالى وعظمته.


(١) رواه مسلم بلفظ مقارب بلفظ الفرد (تلك صلاة المنافق) بغير تكرار، كما رواه الترمذي، والنسائي، ورواه أبو داود، وأحمد، ومالك بنحو من الرواية المذكورة في التفسير. أما ما رواه مسلم: المساجد ومواضع الصلاة - استحباب التبكير للعصر (٦٢٢) عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ، حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ، قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ، فَقُمْنَا، فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا.
(٢) سبق تخريجه من رواية أحمد عن شداد بن أوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>