للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الراغب في مفرداته في معنى الرسوخ: " رسوخ الشيء ثباته ثباتا متمكنا، ورسخ الغدير نضب ماؤه، ورسخ تحت الأرض، والراسخ في العلم المتحقق فيه الذي لَا يعرضه شبهة، فالراسخون في العلم هم الموصوفون بقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا باللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يرْتَابُوا)، وكذلك قوله تعالى: (لَكَنِ الرَّاسِخَونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ).

وإن الله سبحانه وتعالى الحكم العدل تكون أحكامه على مقتضى عدله، فهؤلاء اليهود، وإن كثر جحودهم فيهم العلماء المحققون الراسخون، وإن كانوا مختفين في لجة من جحود اليهود، هؤلاء الراسخون في العلم الديني، والعلم برسالته، وسائر رسائل النبيين هم والمؤمنون سواء، فهم يعتقدون كل ما يعتقده المؤمنون من صدق رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وصدق سائر الرسالات الإلهية. وهؤلاء قد ضموا إلى صفوف المؤمنين، بل إنهم صاروا منهم، وإنما ذُكروا كأنهم صنف قائم، باعتبار أنهم من اليهود، ولم يكونوا كالمنحرفين البارزين، وهؤلاء اليهود لم يكفروا بموسى كما لم يكفر سائر المؤمنين بموسى، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) أي أنهم يؤمنون بالرسالة المحمدية وكتابها ورسالات الرسل السابقة وكتبها، فأولئك الراسخون في العلم من بني إسرائيل هم والمؤمنون لم يخرجوا على موسى، بل آمنوا به أوثق إيمان؛ لأنهم آمنوا بالرسالات كلها.

وقد يقول قائل: إن الله تعالى ذمَّ اليهود عمومًا، ثم خصَّ الراسخين بالثناء، فلم كان التعميم ثم التخصيص؟ والجواب عن ذلك أن أولئك الراسخين لم يكونوا هم الظاهرين منهم، بل كان الشر هو الطافح على سطحهم، فكان من أجل وصفهم عموما بالشر، لأن الجماعة توصف بالشر إذا اختفى الخير فيها، ثم كان الظاهر هو الشر، وكان من إنصاف الله تعالى أن ذكر أولئك العلماء المغمورين في وسط جماعة الأشرار، وبين حقيقتهم، وانضمامهم إلى جماعة المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>