ذلك الإيمان بضعف كل شيء، وأنه لَا قادر حق القدرة سواه - هو الذي يتربى به القلب فيؤمن، والجوارح فتذعن، والنفوس فتصفو.
والإيمان باليوم الآخر هو إيمان بالغيب، وهو أخص عناصر الإيمان، وهو الذي يجعل المؤمن يعرف حقيقة الدنيا، ويصبر على سرائها وضرائها، ولا تذهب نفسه حسرات عند الحرمان، ولا يطغى ويغتر عندما يعطيه، ويعلم أنه مجزي بالصبر، محاسب على ما أنعم الله تعالى به عليه.
وقد بين سبحانه من بعد ذلك جزاء هؤلاء المؤمنين، فقال تعالت كلماته:(أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) أي أولئك الذين نالوا هذه الخصال كلها، فآمنوا بكل الأنبياء وتهذبت ضمائرهم بالصلاة، وتعاونوا فيما بينهم بالزكاة، وآمنوا بالله تعالى حق الإيمان، وصدقوا البعث والنشور، وصبروا في السراء والضراء، هؤلاء المتصفون بتلك الصفات يستحقون بسببها جزاء عظيما. وقد أكد ذلك الجزاء بثلاثة مؤكدات:
أولها - " السين " في قوله (سَنُؤْتِيهِمْ)؛ لأنها لتأكيد الوقوع في المستقبل. وثانيها - إسناد العطاء إلى الله تعالى القادر على كل شيء، وهو لَا يخلف الميعاد.
ثالثها - تنكير الأجر، ووصفه بالعظمة، فهو أجر عظيم لَا يجري في خيال البشر، ويعلمه خالق البشر.
اللهم اجعلنا ممن تغفر لهم، فينالون رضاك يا رب العالمين.