ونقول في إزالة هذا الوهم إن روح القدس الذي ذكر في القرآن عدة مرات في مقام التأييد لعيسى هو جبريل - عليه السلام -، وقد ذكر بالنسبة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال تعالى:(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢).
وإذن لَا لبس ولا التباس، ويجب أن تفسر بذلك روح القدس التي جاءت في الأناجيل بالنسبة لعيسى، فقد جاء في إنجيل متى:" ولما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الروح القدس " وبالتفسير المعقول المتفق مع نص القرآن يكون الحبل بنفخ من روح القدس جبريل، وقد جاء في الإنجيل ما يدل على أن روح القدس هو جبريل - عليه السلام -: " وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر نفسه إسرائيل والروح القدس "، وجاء في الإصحاح الثاني من إنجيل متى آية ٢٦ (وكان قد أوحى إليه بالروح القدس).
وإذا كان الحق في عيسى - عليه السلام - أنه رسول الله، وأنه تعالى خلقه من غير طريق الأسباب المعتادة، إذ خلقه بكلمة، وأنه روح جاءت من قبل الله إذ نفخ جبريل الروح في مريم فكان منها الحبل، وأنه غلبته روحانية، إذا كان كذلك، فيجب الإيمان بالحق، وإزالة الأوهام، وكذا قال سبحانه:(فآمِنوا بِاللَّهِ وَرسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ) أي إذا كانت تلك حقيقة المسيح، وليس بابن إله، فآمنوا بالله وحده لَا شريك له في العبادة، ولا في السلطان، وليس معه ثان ولا ثالث، وليس بوالد ولا ولد، وآمنوا بالرسالة الإلهية، وآمنوا بالرسل الذين سبقوا عيسى والرسول الذي جاء من بعده، ولا تكفروا بأحد منهم ولا تغالوا فتقولوا ثلاثة، ولذا قال سبحانه:(وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ).
وعبر سبحانه وتعالى بقوله:(وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) بدل قوله " ولا تؤمنن بثلاثة أو لَا تصدقوا بثلاثة، أو لَا تزعموا ثلاثة "؛ لأن أمر الثلاثة قول يقولونه، فإن سألتهم عن معناه قالوا مرة الأب والابن وروح القدس أي أنهم ثلاثة متفرقون،