للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومرة يقولون ثلاثة أقانيم، والذات واحدة، فإن أردت تفسير المعنى الثالث، قالوا كلاما لَا يمكن أن تقبله العقول المستقيمة.

وإن الدارس لتاريخ النصرانية من غير تحيز لهذه الأوهام أو متحيز عليها يرى أنها في ابتدائها ديانة توحيد خالص، وأنه ما كانت ألوهية المسيح عندهم رائجة، ولا يعتنقها الأكثرون، بل كان الأكثرون على أن الله إله واحد ليس له ولد ولا والد، واستمر الحال كذلك إلى أن أراد قسطنطين أن يدخل في المسيحية، وقد كان وثنيا، ولكنه أراد أن يدخلها بعد أن يحرفها، فعقد مجمع (نيقية) سنة ٣٢٥ ميلادية، وقد ادعى أن انعقاده للرد على أريوس الذي أنكر ألوهية المسيح، فكان المجتمعون أكثر من تسعمائة، وقد كانت الكثرة منكرة ألوهية المسيح، والذين قالوا ألوهية المسيح ٣١٨ فاكتفى بهم وأعلنوا الألوهية، وعلى رأسهم أسقف الإسكندرية، ودخل قسطنطين في المسيحية من بعد قرارهم، وقد استنكر أكثر المسيحيين ما قرره مجمع نيقية، ولذلك انعقد فوره مجمع (صور) ورفض دعوى ألوهية المسيح بالإجماع، ولكن استخدمت القوة والإرهاب لتشتيت المجتمعين، وأخذت القوة تعلن الألوهية، وتخفي الوحدانية.

ولم يكن إلى ذلك الوقت أحد يقول إن روح القدس إله، حتى دعا أسقف الإسكندرية إلى عقد المجتمع القسطنطيني الأول سنة ٣٨١، فقرر ألوهية روح القدس.

وبذلك قالوا ثلاثة، وبتوالي العصور، وإخفات صوت المخالفين، وتقرير التثليث وتثبيته سيطرت الأوهام، واستقر الأمر على ثلاثة.

وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن أن يقولوا ثلاثة، وأكد سبحانه وتعالى النهي بقوله: (انتَهُوا خَيْرًا لَّكمْ) وفي التعبير بـ " انتهوا " دليل على أنهم لم يعتنقوا ما يدعون اعتقادا جازما، بل إنهم إن فكروا غيروا، فكان الأمر بالانتهاء، وقال انتهوا خيرا لكم، أي انتهوا يكن الانتهاء خيرا لكم؛ لأنكم تخرجون من حيرة الأوهام إلى تفكير العقول، وتدركون الحق، وتذعنون له، وتكونون مؤمنين

<<  <  ج: ص:  >  >>