للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا تقول إنه عبد الله ورسوله فقال لأمير القوم " إنه ليس بعار أن يكون عبدا لله، قالوا: بلى " (١).

وهنا بحثان لفظيان نريد أن نلم بهما بعض الإلمام.

أولهما - التعبير بـ " لن " فإن هذا التعبير النافي فيه تأكيد للنفي، وفيه بيان استمراره وفيه فوق ذلك إشارة إلى أن المنفي هو الأمر الذي لَا يتصور العقل غيره، فلا يتصور العقل أن يترفع المسيح عن أن يكون عبدا لله، لأنه هو الذي خلقه، وهو الذي سواه، وهو الذي جعل له كل الصفات التي امتاز بها على غيره من الناس في عهده، إن الكمال للإنسان في أن يحس بعبوديته لله تعالى وحده، فذلك ليس عارا كما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن شكر المنعم هو كمال الإنسان، والمنعم بنعمة الوجود، ومجري النعم هو الله سبحانه وتعالى، فالعبودية له سبحانه شكر وهي كمال الصلة بين الله تعالى وخلقه.

وثانيهما - أصل معنى يستنكف، أنها في مغزاها لن يأنف أو يترفع، ولكن في أصل اللغة لها أصول ثلاثة.

أولها - أنها مشتقة من التنزيه، فالفعل الثلاثى لها (نكف)، دخله السين والتاء فيقال نكفت من الشيء واستنكفت منه، وأنكفته أي نزهته عما يستنكف منه، وروى في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن معنى سبحان الله فقال - عليه السلام - " إنكاف الله عن كل سوء " (٢) بمعنى تنزيهه عن كل سوء، ويكون معنى " لن يستنكف ": لن يتنزه عن أن يكون عبدا لله، فالعبودية ليس للبشر أن يتنزهوا عنها، بل عليهم أن يخضعوا لها.

ثانيها - أنها مأخوذة من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك عن خدك سترا


(١) ذكره هكذا بلفظ " روى ": الزمخشري، والنسفي، والرازي، والآلوسي، والبيضاوي، سببا لنزول الآية الكريمة.
(٢) النهاية في غريب الحديث (نكف).

<<  <  ج: ص:  >  >>